الشيخ/ خالد بن عثمان السبت
الحمد لله إله الأولين والآخرين، قيوم السموات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا بالتذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، ولا هدى إلا في الاستهداء بنوره، ولا حياة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في قربه، ولا صلاح للقلوب ولا فلاح إلا في الإخلاص له وتوحيده، الذي إذا أطيع شكر، وإذا عصي تاب وغفر، وإذا دعي أجاب، وسبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، وأصلي وأسلم على رسول الله، خير خلق الله -صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
الحديث في هذا الموضوع سيكون عن الحياء، وسينتظم هذا الحديث ثلاثة عشر نقطة:
الأولى: في بيان حقيقة الحياء.
والثانية: هل الحياء غريزة أم أنه شيء يكتسب؟
والثالثة: الحياء وسط بين طرفين مذمومين.
والرابع: الفرق بين الحياء والخوف.
والخامس: إشكال في الحياء والجواب عنه.
والسادس: منزلة الحياء من الدين.
والسابع: في بيان أنواع الحياء.
والثامن: في بيان أقسامه من حيث الباعث له.
والتاسع: الطريق إلى الحياء، كيف نحصل الحياء؟ وكيف نتحلى به ونتخلق؟
العاشر: في دوافعه وموانعه ومضعفاته.
والحادي عشر: نماذج من الحياء.
والثاني عشر: مظاهر لقلة الحياء.
والثالث عشر: في ثمرات الحياء.
الحيـاء:
ما أحوجنا في مثل هذه الأيام إلى أن نتحدث عن الحياء، ذلك الخلق الكريم الذي يدعو النفس إلى الفضائل، ويجنبها الرذائل، في وقت تنحر فيه الفضيلة، وتذبح فيه الأخلاق والتي منها الحياء، تذبح من الوريد إلى الوريد، عبر قنوات فضائية حملت على عاتقها تدمير الأخلاق، وتدمير الفضيلة، وتدمير محاسن العادات ومكارمها، ما أحوجنا في هذه الأيام أن نتحدث عن الحياء في الوقت الذي يحارب فيه الحياء، ما أحوجنا في هذا الوقت أن نتحدث عن الحياء في الوقت الذي ترى فيه مظاهر عجيبة تدل على تصحر الحياء في نفوس كثير من المنتسبين إلى الإسلام.
أولاً: بيان حقيقة الحياء:
ما هو الحياء؟:
الحياء كاسمه، فهو من الحياة، ولا يقابل الحياة سوى الموت، ومنه الحياة للمطر؛ لأنه يحيي الأرض بعد موتها بإرادة الله -عز وجل- وبه تحيا الدواب.
فالحياء خلق كريم فاضل من الأخلاق الشريفة التي تحمل أصحابها الذين يتخلقون بها على ترك كل قبيح، وتمنعهم من التقصير في حق ذي الحق.
إنه خلق يبعث على فعل المحاسن وترك القبائح، ويقابله البذاء والجفاء، كما في الحديث: ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار))(1)، فقابله -صلى الله عليه وسلم- بالبذاء والجفاء، فمنزوع الحياء لا تراه إلا على القبح، ولا تسمع منه إلا اللغو والتأثيم، ولا ترى إلا عيناً غمازة، ونفس همازة، ولسان بذيئاً، يتركه الناس؛ اتقاء فحشه، مجالسته شر، وصحبته ضر، وفعله عدوان، وحديثه بذاء، أعاذنا الله وإياكم من مساوئ الأخلاق وسفسافها.
ثانياً: هل الحياء غريزة أم هو شيء يمكن أن يكتسبه الإنسان؟:
أقول: الحياء لا شك إنه غريزة فطر عليها جميع الناس -المؤمن والكافر- ولكن الناس يتفاوتون في ذلك، فمن الناس من فطر على قدر كبير من الحياء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد القيس -كما في بعض الروايات-: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والحياء))(2)، فالله -عز وجل- جبله على ذلك، ولا ريب أن كل إنسان قد أودع الله -عز وجل- فيه حياء فطرياً، وإذا أردت أن تعرف حقيقة هذا المعنى فانظر إلى الصغير ممن له سنة أو من له سنتان أو نحو ذلك، انظر إليه حينما يكون في حال أو في موقف، أو حينما تحدق النظر فيه فإنه لربما وضع أصبعه في فمه، ونكس رأسه، وعلته الحمرة على وجهه.
إنها الفطرة التي فطر الله -عز وجل- الناس عليها، ما فطرهم الله -تبارك وتعالى- على البذاء وعلى مساوئ الأخلاق، إلا أن هذه الفطرة كغيرها من الفطر التي يمكن أن تتدنس وأن تتغير، وأن يعتورها ما يعتور الفطر الأخرى، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))(3)، فهذا الخلق يمكن أن يكتسب، ويمكن أن ينمى في نفس الإنسان، فالصغير حينما يسمع كلمات من أبويه أو ممن حوله ممن يطوفون به صباح ومساء يعلمونه فيها ما يليق وما لا يليق؛ فإن ذلك ينمو في نفسه، ويتجذر حتى يصير الحياء سمة بارزة له، أما إذا نشأ هذا الصغير على قلة الحياء فهو ينشأ وتقع عينه لأول وهلة على أمٍ قد تعرت من الستر، حينما تجلس مع محارمها، وحينما تجلس مع صديقاتها وصويحباتها، أو حينما تخرج إلى صالات الأفراح، أو حينما تخرج إلى السوق أو غير ذلك، فإن هذا الصغير لا يمكن أن يتحاشى هذه الأمور بعد ذلك؛ لأنه لا يجد غضاضة في انكشاف عورته وفي انكشاف مواضع كثيرة من جسده؛ لأنه نشأ على ذلك.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا***على ما كان عوده أبوه
مع أن هذه الخصلة مغروزة فيه حينما ولد؛ لأنها خاصية بشرية؛ حبا لله -عز وجل- بها هذا الإنسان، وميزه الله بها عن الحيوانات، فإن الحيوان لا يعرف الحياء، وكلما انحط الإنسان وتدنى في أخلاقه كلما شابه العجماوات والحيوانات، وكلما سفل وصار يشبهها في نزع الحياء، وفي أخلاقها، وفي تهارشها على ما لا يليق، ووقوعها على ذميم الأخلاق ومساوئها.
لما أكل آدم وحواء من الشجرة بدت لهما سوآتهما فماذا صنعا؟ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [(22) سورة الأعراف]، قاما بهذا الفعل على سبيل البديهة؛ لستر العورات التي قد تبدت بسبب إغواء الشيطان الذي لا زال يحرض على كشف هذه العورات، وعلى التعري، وعلى إظهار المفاتن والمحاسن؛ من أجل إغراق الناس في الرذيلة.
قاما آدم وحواء -عليهما السلام- وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ، وكل ذلك لأن داعي الحياء والفطرة يحملهما على ستر هذه العورات، وهذا يدل على أن التعري والتكشف والتهتك أنه خلاف الفطرة، أنما الفطرة في الستر والحشمة والحياء، وإنما يكون التهتك بسبب إغواء الشيطان وتلبيسه وتزيينه، سواء كان ذلك من تلبيس شياطين الإنس أو كان ذلك من تسويل شياطين الجن، وهذا الذي تدعو إليه الجاهلية الغربية المعاصرة، بكل ما أوتيت من قوة وآلة تدمر فيها ما تبقى عند الناس من مكارم الأخلاق التي بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- لتتميمها وتكميلها.
ثالثاً: الحياء وسط بين طرفين مذمومين:
الحياء وسط بين الخجل، وهو خلق يدل على ضعة صاحبه ومهانته وقصوره؛ فهو لا يستطيع أن يرفع رأسه لينكر منكراً؛ لأنه يخجل، وهو لا يستطيع أن يقول كلمة الحق؛ لأنه يخجل.
وفي الطرف الأخر البذاء والوقاحة والجرأة في سافل الأخلاق، فيتكلم الإنسان أمام الجموع الناس بما لا يليق بكل صفاقة، ويفعل أمامهم ما لا يليق بكل وقاحة.
فالحياء وسط بين هذه المهانة -وهي الخجل- وسط بين هذه الصفة وبين صفة أخرى وهي الوقاحة واللجاجة في تعاطي القبائح.
فالحياء كغيره من الأخلاق يكتنفه وصفان ذميمان مثله مثل الكرم الذي هو وسط بين الشح وبين الإسراف والتبذير، وكالتواضع الذي هو وسط بين الذل وبين العلو والكبر، وهكذا يكون الحياء وسطاً بين البجاحة وعدم اللياقة وبين الضعف والهوان، فإذا انحرفت النفس عن فطرتها وعمَّا رسم الله -عز وجل- لها من الأخلاق الفاضلة، وما فطرها الله -تبارك وتعالى- عليه فإنها تميل إما إلى هذا الطرف وأما إلى هذا الطرف، وقليل من الناس من يوفق إلى لزوم هذه الفطرة وإلى المحافظة عليها، والمهتدي من هداة الله -عز وجل-، والضال من أظله الله -تبارك وتعالى-.
رابعاً: الفرق بين الحياء والخوف:
ما الذي يحجزنا عن فعل القبيح؟ ربما يكون ذلك هو الخوف من الله -عز وجل-، أو الخوف من الناس، وربما يكون ذلك هو الحياء من الله -عز وجل- أو الحياء من الناس والحياء من النفس، ولربما تجتمع هذه الأمور الثلاثة، فأي المقامات أفضل؟ من كان حاجزه عما لا يليق هو الخوف؟ أو من كان حاجزه هو الحياء؟ مع أننا نعلم أن الحياء من الله، وأن الخوف من الله، ونعلم أن ذلك جميعاً من شعب الإيمان، ومما يحبه الله -عز وجل-؛ ولكن أي هذه المقامات أرفع وأعلى؟
أقول: الحياء من شيم الأشراف، وهو من صفات النفوس الأبية الكريمة الزكية، فصاحبه أحسن حالاً ممن كان حامله الخوف المجرد عن فعل ما لا يليق.
ثم إن الحياء من الله -عز وجل- يدل على مراقبته وحضور القلب معه، ثم أيضاً في الحياء ما يدل على تعظيم الرب المعبود -جل جلاله- وليس ذلك بموجود في الخوف بقدر ما هو موجود في الحياء.
فالذي وازعه الخوف من الله -عز وجل- قلبه ملاحظ للعقوبة، حاضر معها، وهو ملاحظ لنفسه ولمصلحتها فحسب، ومن كان وازعه الحياء من الله -تبارك وتعالى- فقلبه حاضر مع الله في حال الإحسان وفي حال الإساءة، قلبه حاضر مع الله وهو على فراشه، وهو يتحدث مع الناس، وهو يتصدق، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [(60) سورة المؤمنون]، فهو يعلم أن هذا الإنعام والأفضال من الله -تبارك وتعالى- ولكنه يستحي من الله -عز وجل-، وذلك أنه يعلم أن هذا العطاء لا يكافئ نعم الله -تبارك وتعالى-.
المستحيي مراعٍ لجانب الرب، والخائف مراعٍ لجانب النفس، وعلى كل حال من كان وازعه الحياء نبعت ينابيع الحكمة من قلبه، وتفجرت عيونها، وارتسمت عليه مكارم الأخلاق في كل أحواله ومقاماته.
خامساً: إشكال في الحياء:
قد يشكل علينا كيف كان الحياء من الإيمان وهو خير كله ولا يأتي إلا بخير، مع أن هذا الحياء لربما جعل صاحبه يجبن في بعض المقامات التي كان يجب عليه أن ينطلق فيها آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، قائلاً بالحق؟ كيف كان يحبه الله -عز وجل- ولا يأتي إلا بخير، مع أنه يجبن صاحبه ويضعفه ويقعده في بعض الأحيان عن بعض الأمور التي لا تليق؟ وكذلك أيضاً يقعده عن بعض الأمور اللائقة؟ وكذلك أيضاً لربما شارك الإنسان غيره في ألوان الانحرافات بسبب أنه يخجل أن يمتنع منها؛ لأن هؤلاء الناس من زملائه وأصحابه وجلسائه قد أحرجوه وضيقوا عليه فلم يجرؤ على مخالفتهم؟
أقول: هذا الذي سماه الناس في عرف استعمالهم بالحياء الذي يجبننا أحياناً عن فعل ما يليق ليس من الحياء في شيء، إنما سماه بعض الناس حياء، واختلط الأمر عليهم والتبس، وإلا ففي حقيقة الأمر فإن ذلك من المهانة والخنوع والضعف وليس من الحياء.
الحياء الشرعي هو الذي يحملك دائماً على فعل ما يليق، النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أشد حياء من العذراء في خدرها، ومع ذلك كان يقول كلمة الحق، ويبلغ دين الله -عز وجل-، ويغضب لله -تبارك وتعالى- إذا انتهكت حرماته، ويغار لله غيرة لا يغارها أحد من المخلوقين على محارم الله -تبارك وتعالى-.
فحياؤه -صلى الله عليه وسلم- العظيم الذي وصف بهذه الصفة التي ليس بعدها وصف أبلغ من هذا الوصف مع ذلك فإن حياءه كان يحمله على مزيد من مكارم الأخلاق، وكان يحمله على قول الحق والصدع به دون خجل ولا تردد ولا مداراة ولا مداهنة لأحد.
إذن: هذا المانع الذي يمنعنا وإن ظن بعضنا أنه من الحياء إنما هو خور وضعف ومذلة ومهانة تعتور هذا الإنسان فيجبن في بعض المقامات التي كان يجب عليه أن يتحرك وأن ينطق بالحق فيها.
إن الأخلاق فيها ما يحمد وفيها ما يذم، فالافتقار إلى المخلوقين والتذلل لهم والتملق، والتملك لهؤلاء الناس أمر مذموم؛ ولكنه يحمد في مقام واحد وهو إذا كان هذا التملق من أجل تحصيل العلم النافع، التلطف للعلماء، والتواضع لهم، والتذلل لهم أمر يحبه الله -عز وجل- ولا يحصل العلم إلا به.
التردد على أبواب الناس من أجل الافتقار والحاجة مذموم؛ ولكن التردد على أبواب العلماء من أجل تحصيل العلوم النافعة أمر يحمد عليه الإنسان، ويحصل فيه -أو يحصل بسببه- العلوم الجمة، ولهذا قال ابن قتيبة أديب أهل السنة --رحمه الله- رحمة واسعة-: "ليس الملق من أخلاق المؤمنين إلا في طلب العلم".
ولهذا قال ابن عباس --رضي الله تعالى عنه-ما-: "ذللت طالباً فعززت مطلوباً"، ويقول علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه-: "لا يستحي من يعلم أن يتعلم، ولا يستحي من إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم"، وقد قال بعض السلف: "لا ينال العلم مستحٍ ولا متكبر".
وإنما حمدت هذه الأخلاق من التذلل والتواضع والتملق للعلماء من أجل تحصيل العلوم؛ لأنها طريق إلى تحصيل المعالي والمكارم والفضائل الحقيقية، فهي مفضية إلى الكمال، ولهذا قال الحسن -رحمه الله-: "من أستتر عن طلب العلم بالحياء لبس للجهل سرباله، فاقطعوا سرابيل الحياء، فإن من رق وجهه رق علمه".
ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي إمام اللغة المعروف: "منزلة الجهل بين الحياء والأنفة"، إما أن يستحي فتفوته الفائدة، وإما أن يتعالى ويأنف فتفوته الفائدة؛ لئلا يظن به الجهل والحاجة، وهكذا في سائر الخصال والأخلاق.
سادساً: منزلة الحياء:
الحياء إحساس رقيق، وشعور دقيق، يبدو في العين مظهره، وعلى الوجه أثره، ومن حرمه حرم الخير كله، ومن تحلى به ظفر بالعزة والكرامة، ونال الخير أجمع.
الحياء أصل لكل خير، وهو أفضل وأجلُّ الأخلاق، وأعظمها قدراً، وأكثرها نفعاً، بل هو خاصة الإنسانية؛ لأن الحيوان لا حياء له، فمن لا حياء له ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، صورته صورة إنسان وداخلته داخلة حيوان، كما أنه ليس معه من الخير شيء إذا تخلى من الحياء، ولولا هذا الخلق لم يُقرى الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد الأمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى الرجلُ الجميلَ فآثره، والقبيحَ فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع عن فاحشة، وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيء من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقاً، ولم يصل له رحماً، ولا بر له والداً؛ فإن الباعث على هذه الأفعال إما ديني وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وأما دنيوي علوي وهو حياء فاعلها من المخلوقين.
يتبين بهذا أنه لولا الحياء إما من الخالق أو من المخلوق لم يفعل الإنسان شيئاً من هذه المكارم التي وصفتها.
كل إنسان له آمران وزاجران، آمر وزاجر من جهة الحياء يأمره بالفضائل ويزجره عن الرذائل، فإذا أطاعه أمتنع من فعل كل ما يشتهي مما لا يليق، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطبيعة، فالنفس تأمره بالأشياء وتهوى أشياء، وتنهاه عن أشياء فمن لم يطع آمر وزاجر الحياء فإنه يطيع آمر الهوى والشهرة، فيتمرغ في أودية الهلكة، كما قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله-.
ثم أن هذا الحياء يقوم مقام الذكر في بعض المقامات التي لا تذكر الله -عز وجل- فيها، أرأيتم حال الإنسان عند الخلاء؟ إنه لا يذكر ربه ولا يليق به أن يذكره، وهو على حاجته؛ ولكن مقام الحياء من الله --عز وجل- وهو في هذه الحال، ومقام المراقبة لله -تبارك وتعالى-، واستحضار هذه النعمة من الله -تبارك وتعالى- عليه بالتخلص من هذه المؤذيات التي تخرج من جسده، لا شك أنه من أجلِّ الذكر كما صرح بذلك جمع من العلماء، فذكر كل حالة بحسب ما يليق بها، واللائق بالإنسان في حال الخلاء أن يتقنع بثوب الحياء من الله -تبارك وتعالى- مجلاً له، ذاكراً نعمنه عليه، وإحسانه إليه في مثل هذا المقام، وفي مثل هذه الحال.
إن فقد الحياء علامة من علامات شقاء العبد، فإذا كان الزوج عديم الحياء، أو كانت الزوجة عديمة الحياء، فلا تسأل عن شقوة أحد الزوجين بالأخر.
إذا كان أحد الأبناء صفيق الوجه لا يستحي، ولا يرعوي، ولا ينتهي عما لا يليق، فلا تسأل عن شقوة مخالطيه ممن يجالسونه ويآكلونه ويشاربونه.
يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "خمس من علامات الشقوة: القسوة في القلب وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل".
إن الحياء سبيل لحفظ ماء الوجوه، الذي به يبقى رونقها وبهاؤها، كما قيل:
لما أكل آدم وحواء من الشجرة بدت لهما سوآتهما فماذا صنعا؟ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [(22) سورة الأعراف]، قاما بهذا الفعل على سبيل البديهة؛ لستر العورات التي قد تبدت بسبب إغواء الشيطان الذي لا زال يحرض على كشف هذه العورات، وعلى التعري، وعلى إظهار المفاتن والمحاسن؛ من أجل إغراق الناس في الرذيلة.
قاما آدم وحواء -عليهما السلام- وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ، وكل ذلك لأن داعي الحياء والفطرة يحملهما على ستر هذه العورات، وهذا يدل على أن التعري والتكشف والتهتك أنه خلاف الفطرة، أنما الفطرة في الستر والحشمة والحياء، وإنما يكون التهتك بسبب إغواء الشيطان وتلبيسه وتزيينه، سواء كان ذلك من تلبيس شياطين الإنس أو كان ذلك من تسويل شياطين الجن، وهذا الذي تدعو إليه الجاهلية الغربية المعاصرة، بكل ما أوتيت من قوة وآلة تدمر فيها ما تبقى عند الناس من مكارم الأخلاق التي بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- لتتميمها وتكميلها.
ثالثاً: الحياء وسط بين طرفين مذمومين:
الحياء وسط بين الخجل، وهو خلق يدل على ضعة صاحبه ومهانته وقصوره؛ فهو لا يستطيع أن يرفع رأسه لينكر منكراً؛ لأنه يخجل، وهو لا يستطيع أن يقول كلمة الحق؛ لأنه يخجل.
وفي الطرف الأخر البذاء والوقاحة والجرأة في سافل الأخلاق، فيتكلم الإنسان أمام الجموع الناس بما لا يليق بكل صفاقة، ويفعل أمامهم ما لا يليق بكل وقاحة.
فالحياء وسط بين هذه المهانة -وهي الخجل- وسط بين هذه الصفة وبين صفة أخرى وهي الوقاحة واللجاجة في تعاطي القبائح.
فالحياء كغيره من الأخلاق يكتنفه وصفان ذميمان مثله مثل الكرم الذي هو وسط بين الشح وبين الإسراف والتبذير، وكالتواضع الذي هو وسط بين الذل وبين العلو والكبر، وهكذا يكون الحياء وسطاً بين البجاحة وعدم اللياقة وبين الضعف والهوان، فإذا انحرفت النفس عن فطرتها وعمَّا رسم الله -عز وجل- لها من الأخلاق الفاضلة، وما فطرها الله -تبارك وتعالى- عليه فإنها تميل إما إلى هذا الطرف وأما إلى هذا الطرف، وقليل من الناس من يوفق إلى لزوم هذه الفطرة وإلى المحافظة عليها، والمهتدي من هداة الله -عز وجل-، والضال من أظله الله -تبارك وتعالى-.
رابعاً: الفرق بين الحياء والخوف:
ما الذي يحجزنا عن فعل القبيح؟ ربما يكون ذلك هو الخوف من الله -عز وجل-، أو الخوف من الناس، وربما يكون ذلك هو الحياء من الله -عز وجل- أو الحياء من الناس والحياء من النفس، ولربما تجتمع هذه الأمور الثلاثة، فأي المقامات أفضل؟ من كان حاجزه عما لا يليق هو الخوف؟ أو من كان حاجزه هو الحياء؟ مع أننا نعلم أن الحياء من الله، وأن الخوف من الله، ونعلم أن ذلك جميعاً من شعب الإيمان، ومما يحبه الله -عز وجل-؛ ولكن أي هذه المقامات أرفع وأعلى؟
أقول: الحياء من شيم الأشراف، وهو من صفات النفوس الأبية الكريمة الزكية، فصاحبه أحسن حالاً ممن كان حامله الخوف المجرد عن فعل ما لا يليق.
ثم إن الحياء من الله -عز وجل- يدل على مراقبته وحضور القلب معه، ثم أيضاً في الحياء ما يدل على تعظيم الرب المعبود -جل جلاله- وليس ذلك بموجود في الخوف بقدر ما هو موجود في الحياء.
فالذي وازعه الخوف من الله -عز وجل- قلبه ملاحظ للعقوبة، حاضر معها، وهو ملاحظ لنفسه ولمصلحتها فحسب، ومن كان وازعه الحياء من الله -تبارك وتعالى- فقلبه حاضر مع الله في حال الإحسان وفي حال الإساءة، قلبه حاضر مع الله وهو على فراشه، وهو يتحدث مع الناس، وهو يتصدق، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [(60) سورة المؤمنون]، فهو يعلم أن هذا الإنعام والأفضال من الله -تبارك وتعالى- ولكنه يستحي من الله -عز وجل-، وذلك أنه يعلم أن هذا العطاء لا يكافئ نعم الله -تبارك وتعالى-.
المستحيي مراعٍ لجانب الرب، والخائف مراعٍ لجانب النفس، وعلى كل حال من كان وازعه الحياء نبعت ينابيع الحكمة من قلبه، وتفجرت عيونها، وارتسمت عليه مكارم الأخلاق في كل أحواله ومقاماته.
خامساً: إشكال في الحياء:
قد يشكل علينا كيف كان الحياء من الإيمان وهو خير كله ولا يأتي إلا بخير، مع أن هذا الحياء لربما جعل صاحبه يجبن في بعض المقامات التي كان يجب عليه أن ينطلق فيها آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، قائلاً بالحق؟ كيف كان يحبه الله -عز وجل- ولا يأتي إلا بخير، مع أنه يجبن صاحبه ويضعفه ويقعده في بعض الأحيان عن بعض الأمور التي لا تليق؟ وكذلك أيضاً يقعده عن بعض الأمور اللائقة؟ وكذلك أيضاً لربما شارك الإنسان غيره في ألوان الانحرافات بسبب أنه يخجل أن يمتنع منها؛ لأن هؤلاء الناس من زملائه وأصحابه وجلسائه قد أحرجوه وضيقوا عليه فلم يجرؤ على مخالفتهم؟
أقول: هذا الذي سماه الناس في عرف استعمالهم بالحياء الذي يجبننا أحياناً عن فعل ما يليق ليس من الحياء في شيء، إنما سماه بعض الناس حياء، واختلط الأمر عليهم والتبس، وإلا ففي حقيقة الأمر فإن ذلك من المهانة والخنوع والضعف وليس من الحياء.
الحياء الشرعي هو الذي يحملك دائماً على فعل ما يليق، النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أشد حياء من العذراء في خدرها، ومع ذلك كان يقول كلمة الحق، ويبلغ دين الله -عز وجل-، ويغضب لله -تبارك وتعالى- إذا انتهكت حرماته، ويغار لله غيرة لا يغارها أحد من المخلوقين على محارم الله -تبارك وتعالى-.
فحياؤه -صلى الله عليه وسلم- العظيم الذي وصف بهذه الصفة التي ليس بعدها وصف أبلغ من هذا الوصف مع ذلك فإن حياءه كان يحمله على مزيد من مكارم الأخلاق، وكان يحمله على قول الحق والصدع به دون خجل ولا تردد ولا مداراة ولا مداهنة لأحد.
إذن: هذا المانع الذي يمنعنا وإن ظن بعضنا أنه من الحياء إنما هو خور وضعف ومذلة ومهانة تعتور هذا الإنسان فيجبن في بعض المقامات التي كان يجب عليه أن يتحرك وأن ينطق بالحق فيها.
إن الأخلاق فيها ما يحمد وفيها ما يذم، فالافتقار إلى المخلوقين والتذلل لهم والتملق، والتملك لهؤلاء الناس أمر مذموم؛ ولكنه يحمد في مقام واحد وهو إذا كان هذا التملق من أجل تحصيل العلم النافع، التلطف للعلماء، والتواضع لهم، والتذلل لهم أمر يحبه الله -عز وجل- ولا يحصل العلم إلا به.
التردد على أبواب الناس من أجل الافتقار والحاجة مذموم؛ ولكن التردد على أبواب العلماء من أجل تحصيل العلوم النافعة أمر يحمد عليه الإنسان، ويحصل فيه -أو يحصل بسببه- العلوم الجمة، ولهذا قال ابن قتيبة أديب أهل السنة --رحمه الله- رحمة واسعة-: "ليس الملق من أخلاق المؤمنين إلا في طلب العلم".
ولهذا قال ابن عباس --رضي الله تعالى عنه-ما-: "ذللت طالباً فعززت مطلوباً"، ويقول علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه-: "لا يستحي من يعلم أن يتعلم، ولا يستحي من إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم"، وقد قال بعض السلف: "لا ينال العلم مستحٍ ولا متكبر".
وإنما حمدت هذه الأخلاق من التذلل والتواضع والتملق للعلماء من أجل تحصيل العلوم؛ لأنها طريق إلى تحصيل المعالي والمكارم والفضائل الحقيقية، فهي مفضية إلى الكمال، ولهذا قال الحسن -رحمه الله-: "من أستتر عن طلب العلم بالحياء لبس للجهل سرباله، فاقطعوا سرابيل الحياء، فإن من رق وجهه رق علمه".
ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي إمام اللغة المعروف: "منزلة الجهل بين الحياء والأنفة"، إما أن يستحي فتفوته الفائدة، وإما أن يتعالى ويأنف فتفوته الفائدة؛ لئلا يظن به الجهل والحاجة، وهكذا في سائر الخصال والأخلاق.
سادساً: منزلة الحياء:
الحياء إحساس رقيق، وشعور دقيق، يبدو في العين مظهره، وعلى الوجه أثره، ومن حرمه حرم الخير كله، ومن تحلى به ظفر بالعزة والكرامة، ونال الخير أجمع.
الحياء أصل لكل خير، وهو أفضل وأجلُّ الأخلاق، وأعظمها قدراً، وأكثرها نفعاً، بل هو خاصة الإنسانية؛ لأن الحيوان لا حياء له، فمن لا حياء له ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، صورته صورة إنسان وداخلته داخلة حيوان، كما أنه ليس معه من الخير شيء إذا تخلى من الحياء، ولولا هذا الخلق لم يُقرى الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد الأمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى الرجلُ الجميلَ فآثره، والقبيحَ فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع عن فاحشة، وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيء من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقاً، ولم يصل له رحماً، ولا بر له والداً؛ فإن الباعث على هذه الأفعال إما ديني وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وأما دنيوي علوي وهو حياء فاعلها من المخلوقين.
يتبين بهذا أنه لولا الحياء إما من الخالق أو من المخلوق لم يفعل الإنسان شيئاً من هذه المكارم التي وصفتها.
كل إنسان له آمران وزاجران، آمر وزاجر من جهة الحياء يأمره بالفضائل ويزجره عن الرذائل، فإذا أطاعه أمتنع من فعل كل ما يشتهي مما لا يليق، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطبيعة، فالنفس تأمره بالأشياء وتهوى أشياء، وتنهاه عن أشياء فمن لم يطع آمر وزاجر الحياء فإنه يطيع آمر الهوى والشهرة، فيتمرغ في أودية الهلكة، كما قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله-.
ثم أن هذا الحياء يقوم مقام الذكر في بعض المقامات التي لا تذكر الله -عز وجل- فيها، أرأيتم حال الإنسان عند الخلاء؟ إنه لا يذكر ربه ولا يليق به أن يذكره، وهو على حاجته؛ ولكن مقام الحياء من الله --عز وجل- وهو في هذه الحال، ومقام المراقبة لله -تبارك وتعالى-، واستحضار هذه النعمة من الله -تبارك وتعالى- عليه بالتخلص من هذه المؤذيات التي تخرج من جسده، لا شك أنه من أجلِّ الذكر كما صرح بذلك جمع من العلماء، فذكر كل حالة بحسب ما يليق بها، واللائق بالإنسان في حال الخلاء أن يتقنع بثوب الحياء من الله -تبارك وتعالى- مجلاً له، ذاكراً نعمنه عليه، وإحسانه إليه في مثل هذا المقام، وفي مثل هذه الحال.
إن فقد الحياء علامة من علامات شقاء العبد، فإذا كان الزوج عديم الحياء، أو كانت الزوجة عديمة الحياء، فلا تسأل عن شقوة أحد الزوجين بالأخر.
إذا كان أحد الأبناء صفيق الوجه لا يستحي، ولا يرعوي، ولا ينتهي عما لا يليق، فلا تسأل عن شقوة مخالطيه ممن يجالسونه ويآكلونه ويشاربونه.
يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "خمس من علامات الشقوة: القسوة في القلب وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل".
إن الحياء سبيل لحفظ ماء الوجوه، الذي به يبقى رونقها وبهاؤها، كما قيل:
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه***ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياؤك فأحفظه عليك وإنما***يدل على وجه الكريم حياؤه
حياؤك فأحفظه عليك وإنما***يدل على وجه الكريم حياؤه
كما أنه أصل العقل وخاصته، وهو بذر الخير، كما قال أديب أهل السنة في روضة العقلاء -أعني أبا حبان البستي -رحمه الله--.
وهو لباس التقوى، كما فسر جمع من السلف قوله تعالى: وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [(26) سورة الأعراف] بأنه الحياء، وقال وهب -رحمه الله-: "الإيمان عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله العفة.
والحياء من الإيمان كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل من الأنصار حينما مر به وهو يعظ أخاه في الحياء، فقد كان ذلك الرجل كثير الحياء، فهذا رجل من إخوانه يعظه ويحثه على التقليل من هذا الحياء، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعه فإن الحياء من الإيمان))(4).
وفي الحديث الآخر: ((الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر))(5)، ويقول –-عليه الصلاة والسلام--: ((الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق))(6)، وفي حديث أبي هريرة: ((الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار))(7). وفي حديث آخر عن أبي هريرة: ((الإيمان بضع وستون – أو بضع وسبعون- شعبة، والحياء شعبة من الإيمان))(8).
وقد يسأل بعضنا كيف كان الحياء شعبة من الإيمان وهو غزيرة من الغرائز؟
فنقول: لما كان هذا الحياء يحركه فيأمره بالخير، ويزجره ويكفه عن فعل ما لا يليق، كان هذا الحياء من الإيمان؛ لأن الإيمان قول وعمل، قول في القلب واللسان، وعمل في القلب واللسان والجوارح، ومن ثم فإن الحياء من أجل الأعمال القلبية التي تدفع الإنسان على فعل ما يليق، وتكفه عما لا يليق، وهذا هو خلاصة ما ذكره العلماء في الجواب عن هذا السؤال.
كما أن الحياء خلق إسلامي رفيع، كما في حديث أنس: ((إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء))(9)، وأخلاق الإسلام كثيرة ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعله خلق الإسلام؛ لأن به جماع الخُلق؛ لأن الإنسان إذا كان يستحي وجد فيه الكرم، ووجدت فيه النخوة والحمية، ووجدت فيه الغيرة ووجدت فيه سائر الأخلاق الفاضلة، وإذا كان الإنسان لا يستحي فإنه لا يكرم ضيفاً، ولا يوقر كبيراً، ولا يرحم صغيراً، ولا يحسن إلى أحد أياً كان، ولقد جاء في حديث عائشة --رضي الله تعالى عنه-ا- أنها قالت: "مكارم الأخلاق عشرة -فذكرتها وقالت-: "ورأسهن الحياء".
وهي صفة يحبها الله -عز وجل-، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد القيس في الحديث الذي قدمته في أول حديثنا هذا، حيث قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والحياء))(10).
وهو من الدين، وقد ذكر عند عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- الحياء وأنه من الدين فقال عمر: "بل هو الدين كله" كما أنه صفة من صفات الله -تبارك وتعالى- كما في الحديث المشهور: ((إن ربكم -تبارك وتعالى- حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً))(11)، فهذا حياء كرم وبر وجود وجلال وإفضال من الله -جل جلاله-.
كما أن صفة الحياء هي من أوصاف الملائكة -عليهم صلاة الله وسلامه- ويدل على ذلك حديث عائشة --رضي الله عنه-ا- في القصة المشهورة لما دخل عثمان على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد كشف النبي -صلى الله عليه وسلم- فخذيه أو ساقيه، فالحاصل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سترهما وسوى ثيابه حينما استأذن عليه عثمان، فلما سألته عائشة --رضي الله تعالى عنه-ا- عن ذلك، قال: ((ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة؟!))(12)، فالملائكة يستحون ويتخلقون بالحياء، ونحن حينما نتخلق بالحياء نكون قد أتصفنا بصفة يحبها الله -عز وجل-، ويتصف بها على ما يليق بجلاله وعظمته، ونكون قد اتصفنا بصفة من صفات الملائكة، فالحيي رجل كريم، والمرأة التي تستحي امرأة فاضلة شريفة كريمة، والشاب والفتاة الذين يستحون هم من كرماء الناس وفضلائهم وأشرافهم، وأما من نزع منه هذا الوصف فإنه يتصف بصفة الأراذل والشياطين، فليختر الإنسان لنفسه.\
كما أن الحياء من صفات الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كما في حديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- حينما كان يغتسل وحده، وكان بنو إسرائيل يغتسلون اغتسالاً جماعياً كما يقال، فكان موسى -صلى الله عليه وسلم- حيياً ستيراً لا يرى من جلدة شيء استحياء من الله -عز وجل-.
والحياء من صفات المؤمنين الأبرار الأتقياء والمؤمنات التقيات الحافظات لحدود الله -تبارك وتعالى-، فهذه المرأة بنت ذلك الرجل الصالح الذي كان في مدين حينما جاءت إلى موسى -صلى الله عليه وسلم- تدعوه كيف وصف لنا القرآن مشيتها؟
قال: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [(25) سورة القصص]لم تأت تمشي مشية تتبختر فيها تلقي عنها جلباب الحياء، لم تأت نازعة ستر الله -تبارك وتعالى-، وإنما جاءت محتشمة، حتى أن بعضهم قال: إنها كانت تمشي خلفه، وهو يمشي أمامها، وإذا أرادت منه أن يتجه يمنة أو يسرة ألقت حجراً بالاتجاه الذي تريد منه أن يتجه إليه؛ كل ذلك حياء وحشمة وتستر من هذه المرأة المؤمنة.
وكانت أسماء بنت أبي بكر --رضي الله عنه-ا- وهي زوج الزبير ابن العوام -رضي الله تعالى عنه- كانت تأتي حاملة النوى من حقل أو مزرعة للزبير في مكان بعيد، تأتي وهي تحمله وهي ماشية على قدميها، فرآها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تحمل النوى على رأسها، فأناخ بعيره -عليه الصلاة والسلام- ومعه نفر من أصحابه فأمرها أن تركب، فاستحيت وامتنعت أن تسير مع الرجال.
هذا هو حياء المرأة المسلمة المرأة الشريفة المرأة العفيفة التي لم تمزق حياءها القنوات الفضائية، ومجلات الأزياء، وعارضات الأزياء، ودور الرذيلة في مشارق الأرض ومغاربها التي تصدر العفن الفني، ومساوئ الأخلاق، وتبجح النساء وترجلهن وتهتكهن.
ومن الصور التي تدل على حياء المرأة المسلمة الشريفة قصة أم سلمة --رضي الله تعالى عنه-ا- لما جاءت أم سليم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله هل على المرأة من غسل إذا احتملت؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، إذا رأت الماء))(13)، فماذا فعلت أم سلمة والنبي -صلى الله عليه وسلم- زوجها؟ غطت وجهها، وقالت: "ويحك فضحت النساء، وهل تحتلم المرأة؟"
لقد غلبها الحياء، وهي عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محرمها وزوجها، فهذه أخلاق أمهات المؤمنين.
وتلك امرأة جاءت تبحث عن ابنٍ لها قتل في غزوة من غزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءت مغطية وجهها، وقد كان النساء يغطين وجههن على عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وفي جميع الإعصار الإسلامية، حتى جاء الاستعمار فنزع الحجاب في كثير من بلاد المسلمين وأفشى التهتك، وأفشى مساوئ الأخلاق.
جاءت تلك الصحابية تبحث عن ابنها، فقيل لها: تبحثين عنه وأنت متنقبة متحجبة؟ فأجابت: لأن أرزأ ولدي فلن أرزأ حيائي"، تقول: إذا فقدت ولدي فلا يعني هذا أنني أبذل حجابي وحشمتي وحيائي؛ لأن عنوان حياء المرأة وحشمتها الحجاب والستر، والبعد عن مواطن الريبة ومخالطة الرجال.
هذا شمس الدين المقدسي عالم من علماء المسلمين يقول: "كنت إذا انكنشفت ساقي وأنا في خلوتي أبادر إلى سترها مع الاستغفار".
وهو في خلوته إذا انكنشف ساقه يبادر بسترها والاستغفار، فأين أولئك النساء من بنات المسلمين الآتي يعرضن الأجساد التي قد ظهر أكثرها في صالات الأفراح وفي شتى المناسبات؟ أين هذا العالم وأين حياؤه من حياء أولئك النسوة اللاتي أخطأن الطريق؟ نسأل الله -عز وجل- أن يلطف بنا وبهن، وأن يردهن إلى رشدهن وصوابهن.
سابعاً: أنواع الحياء.
الحياء ثلاثة أنواع: حياء من الله -عز وجل-، ويكون بامتثال أوامره واجتناب زواجره، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- سأله أصحابه فقالوا: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمنيك)) فقال السائل: الرجل يكون مع الرجل؟ يعني هل يبدي له شيئاً من عورته، بعض الناس يقول: أنا رجل، فلا يستحي من إظهار عورته أمام الرجال، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- معلماً له مكارم الأخلاق: ((إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل))، فقيل له: والرجل يكون خالياً؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فالله أحق أن يستحيا منه))(14).
وفي الحديث الآخر أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: "أوصني"، قال: ((أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك))(15)، بمعنى ألا يكون الله -عز وجل- هو أهون الناظرين إليك، فينبغي أن تستحي من الله -تبارك وتعالى- حق الحياء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: ((استحيوا من الله حق الحياء))، فسألوه فقالوا: "إنا نستحي والحمد لله" قال: ((ليس ذاك؛ ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى))(16)تحفظ السمع فلا يسمع ما لا يليق من الفحش والبذاءة والغناء والغيبة والمعصية بجميع أنواعها مما يسمع، وأن تحفظ هذا البصر فلا ينطلق ولا يسرح يمنة ويسرة، فيرى ما لا يليق، ويرى ما يحرم عليه أن ينظر إليه.
وهو لباس التقوى، كما فسر جمع من السلف قوله تعالى: وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [(26) سورة الأعراف] بأنه الحياء، وقال وهب -رحمه الله-: "الإيمان عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله العفة.
والحياء من الإيمان كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل من الأنصار حينما مر به وهو يعظ أخاه في الحياء، فقد كان ذلك الرجل كثير الحياء، فهذا رجل من إخوانه يعظه ويحثه على التقليل من هذا الحياء، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعه فإن الحياء من الإيمان))(4).
وفي الحديث الآخر: ((الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر))(5)، ويقول –-عليه الصلاة والسلام--: ((الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق))(6)، وفي حديث أبي هريرة: ((الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار))(7). وفي حديث آخر عن أبي هريرة: ((الإيمان بضع وستون – أو بضع وسبعون- شعبة، والحياء شعبة من الإيمان))(8).
وقد يسأل بعضنا كيف كان الحياء شعبة من الإيمان وهو غزيرة من الغرائز؟
فنقول: لما كان هذا الحياء يحركه فيأمره بالخير، ويزجره ويكفه عن فعل ما لا يليق، كان هذا الحياء من الإيمان؛ لأن الإيمان قول وعمل، قول في القلب واللسان، وعمل في القلب واللسان والجوارح، ومن ثم فإن الحياء من أجل الأعمال القلبية التي تدفع الإنسان على فعل ما يليق، وتكفه عما لا يليق، وهذا هو خلاصة ما ذكره العلماء في الجواب عن هذا السؤال.
كما أن الحياء خلق إسلامي رفيع، كما في حديث أنس: ((إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء))(9)، وأخلاق الإسلام كثيرة ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعله خلق الإسلام؛ لأن به جماع الخُلق؛ لأن الإنسان إذا كان يستحي وجد فيه الكرم، ووجدت فيه النخوة والحمية، ووجدت فيه الغيرة ووجدت فيه سائر الأخلاق الفاضلة، وإذا كان الإنسان لا يستحي فإنه لا يكرم ضيفاً، ولا يوقر كبيراً، ولا يرحم صغيراً، ولا يحسن إلى أحد أياً كان، ولقد جاء في حديث عائشة --رضي الله تعالى عنه-ا- أنها قالت: "مكارم الأخلاق عشرة -فذكرتها وقالت-: "ورأسهن الحياء".
وهي صفة يحبها الله -عز وجل-، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد القيس في الحديث الذي قدمته في أول حديثنا هذا، حيث قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والحياء))(10).
وهو من الدين، وقد ذكر عند عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- الحياء وأنه من الدين فقال عمر: "بل هو الدين كله" كما أنه صفة من صفات الله -تبارك وتعالى- كما في الحديث المشهور: ((إن ربكم -تبارك وتعالى- حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً))(11)، فهذا حياء كرم وبر وجود وجلال وإفضال من الله -جل جلاله-.
كما أن صفة الحياء هي من أوصاف الملائكة -عليهم صلاة الله وسلامه- ويدل على ذلك حديث عائشة --رضي الله عنه-ا- في القصة المشهورة لما دخل عثمان على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد كشف النبي -صلى الله عليه وسلم- فخذيه أو ساقيه، فالحاصل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سترهما وسوى ثيابه حينما استأذن عليه عثمان، فلما سألته عائشة --رضي الله تعالى عنه-ا- عن ذلك، قال: ((ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة؟!))(12)، فالملائكة يستحون ويتخلقون بالحياء، ونحن حينما نتخلق بالحياء نكون قد أتصفنا بصفة يحبها الله -عز وجل-، ويتصف بها على ما يليق بجلاله وعظمته، ونكون قد اتصفنا بصفة من صفات الملائكة، فالحيي رجل كريم، والمرأة التي تستحي امرأة فاضلة شريفة كريمة، والشاب والفتاة الذين يستحون هم من كرماء الناس وفضلائهم وأشرافهم، وأما من نزع منه هذا الوصف فإنه يتصف بصفة الأراذل والشياطين، فليختر الإنسان لنفسه.\
كما أن الحياء من صفات الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كما في حديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- حينما كان يغتسل وحده، وكان بنو إسرائيل يغتسلون اغتسالاً جماعياً كما يقال، فكان موسى -صلى الله عليه وسلم- حيياً ستيراً لا يرى من جلدة شيء استحياء من الله -عز وجل-.
والحياء من صفات المؤمنين الأبرار الأتقياء والمؤمنات التقيات الحافظات لحدود الله -تبارك وتعالى-، فهذه المرأة بنت ذلك الرجل الصالح الذي كان في مدين حينما جاءت إلى موسى -صلى الله عليه وسلم- تدعوه كيف وصف لنا القرآن مشيتها؟
قال: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [(25) سورة القصص]لم تأت تمشي مشية تتبختر فيها تلقي عنها جلباب الحياء، لم تأت نازعة ستر الله -تبارك وتعالى-، وإنما جاءت محتشمة، حتى أن بعضهم قال: إنها كانت تمشي خلفه، وهو يمشي أمامها، وإذا أرادت منه أن يتجه يمنة أو يسرة ألقت حجراً بالاتجاه الذي تريد منه أن يتجه إليه؛ كل ذلك حياء وحشمة وتستر من هذه المرأة المؤمنة.
وكانت أسماء بنت أبي بكر --رضي الله عنه-ا- وهي زوج الزبير ابن العوام -رضي الله تعالى عنه- كانت تأتي حاملة النوى من حقل أو مزرعة للزبير في مكان بعيد، تأتي وهي تحمله وهي ماشية على قدميها، فرآها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تحمل النوى على رأسها، فأناخ بعيره -عليه الصلاة والسلام- ومعه نفر من أصحابه فأمرها أن تركب، فاستحيت وامتنعت أن تسير مع الرجال.
هذا هو حياء المرأة المسلمة المرأة الشريفة المرأة العفيفة التي لم تمزق حياءها القنوات الفضائية، ومجلات الأزياء، وعارضات الأزياء، ودور الرذيلة في مشارق الأرض ومغاربها التي تصدر العفن الفني، ومساوئ الأخلاق، وتبجح النساء وترجلهن وتهتكهن.
ومن الصور التي تدل على حياء المرأة المسلمة الشريفة قصة أم سلمة --رضي الله تعالى عنه-ا- لما جاءت أم سليم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله هل على المرأة من غسل إذا احتملت؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، إذا رأت الماء))(13)، فماذا فعلت أم سلمة والنبي -صلى الله عليه وسلم- زوجها؟ غطت وجهها، وقالت: "ويحك فضحت النساء، وهل تحتلم المرأة؟"
لقد غلبها الحياء، وهي عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محرمها وزوجها، فهذه أخلاق أمهات المؤمنين.
وتلك امرأة جاءت تبحث عن ابنٍ لها قتل في غزوة من غزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءت مغطية وجهها، وقد كان النساء يغطين وجههن على عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وفي جميع الإعصار الإسلامية، حتى جاء الاستعمار فنزع الحجاب في كثير من بلاد المسلمين وأفشى التهتك، وأفشى مساوئ الأخلاق.
جاءت تلك الصحابية تبحث عن ابنها، فقيل لها: تبحثين عنه وأنت متنقبة متحجبة؟ فأجابت: لأن أرزأ ولدي فلن أرزأ حيائي"، تقول: إذا فقدت ولدي فلا يعني هذا أنني أبذل حجابي وحشمتي وحيائي؛ لأن عنوان حياء المرأة وحشمتها الحجاب والستر، والبعد عن مواطن الريبة ومخالطة الرجال.
هذا شمس الدين المقدسي عالم من علماء المسلمين يقول: "كنت إذا انكنشفت ساقي وأنا في خلوتي أبادر إلى سترها مع الاستغفار".
وهو في خلوته إذا انكنشف ساقه يبادر بسترها والاستغفار، فأين أولئك النساء من بنات المسلمين الآتي يعرضن الأجساد التي قد ظهر أكثرها في صالات الأفراح وفي شتى المناسبات؟ أين هذا العالم وأين حياؤه من حياء أولئك النسوة اللاتي أخطأن الطريق؟ نسأل الله -عز وجل- أن يلطف بنا وبهن، وأن يردهن إلى رشدهن وصوابهن.
سابعاً: أنواع الحياء.
الحياء ثلاثة أنواع: حياء من الله -عز وجل-، ويكون بامتثال أوامره واجتناب زواجره، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- سأله أصحابه فقالوا: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمنيك)) فقال السائل: الرجل يكون مع الرجل؟ يعني هل يبدي له شيئاً من عورته، بعض الناس يقول: أنا رجل، فلا يستحي من إظهار عورته أمام الرجال، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- معلماً له مكارم الأخلاق: ((إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل))، فقيل له: والرجل يكون خالياً؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فالله أحق أن يستحيا منه))(14).
وفي الحديث الآخر أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: "أوصني"، قال: ((أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك))(15)، بمعنى ألا يكون الله -عز وجل- هو أهون الناظرين إليك، فينبغي أن تستحي من الله -تبارك وتعالى- حق الحياء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: ((استحيوا من الله حق الحياء))، فسألوه فقالوا: "إنا نستحي والحمد لله" قال: ((ليس ذاك؛ ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى))(16)تحفظ السمع فلا يسمع ما لا يليق من الفحش والبذاءة والغناء والغيبة والمعصية بجميع أنواعها مما يسمع، وأن تحفظ هذا البصر فلا ينطلق ولا يسرح يمنة ويسرة، فيرى ما لا يليق، ويرى ما يحرم عليه أن ينظر إليه.
يسر مقلته ما ضر مهجته***لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
وكذلك يحفظ الإنسان الشم فلا يشم شيئاً لا يجوز له شمه.
((أن يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى)): فلا يدخل في هذا الجوف شيء حرمة الله -عز وجل- من المال الحرام والخمر والدخان وما إلى ذلك، ((ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء))(17).
خطب أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- الناس وقال: "يا معشر المسلمين استحيوا من الله، فو الذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط في الفضاء متقنعاً في ثوبي استحياءً من ربي -عز وجل-".
وقد صور لنا القرآن حال بعض الجاهليين وكيف كانوا يستحيون من الله -عز وجل- قال -تبارك وتعالى- عنهم: أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [(5) سورة هود]: الذي ذكره جمع من السلف في تفسير هذه الآية أن الواحد من هؤلاء المشركين كان إذا خرج إلى الخلاء لقضاء حاجته قال بظهره وصدره هكذا، أماله من أجل أن يكون ظهره حائلاً بينه وبين السماء حياءً من الله -عز وجل-، مع أن الناس لا يرونه، فأين هؤلاء الجاهليين من أولئك المتهتكين الذين يعرضون المفاتن والأجساد العارية، يراها ملايين البشر، ويصوت لهم الملايين من أهل الضعة وأهل الانحطاط والسفور الذين لم يعرفوا مكارم الأخلاق.
النوع الثاني: هو الحياء من الخلق، ويكون بكف الأذى عنهم بجميع أنواعه، بالقول والفعل، وترك سوء الظن بهم، ويكون بترك المجاهرة بكل قبيح.
وبين الحياء من الله -عز وجل- والحياء من المخلوقين ملازمة أكيدة، وقد قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "من لم يستحِ من الناس لا يستحي من الله".
والنوع الثالث: الحياء من النفس، وهو نوع لطيف من الحياء، وهل يستحي الإنسان من نفسه؟
أقول: نعم ذاك حياء يعرفه أصحاب النفوس الكريمة الشريفة العزيزة الرفيعة الأبية، هذه النفوس تستحي من رضاها لنفسها بالنقص، ومن قناعتها بالدون، فيجد الواحد نفسه مستحيياً من نفسه، حتى كأنما له نفسان يستحي بأحدهما من الآخر، ويكون ذلك -أعني الحياء من النفس- بالعفاف وصيانة الخلوات، وهذا أكمل ما يكون من الحياء؛ فإن العبد إذا استحي من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر وأولى كما لا يخفى.
ثامناً: أقسام الحياء من جهة المحرك له والباعث له والداعي إليه:
الحياء إما يكون بسبب الجناية، ويدل على ذلك حديث أنس المخرج في الصحيحين(18)، وهو حديث الشفاعة المشهور، فالناس في ذلك الموقف العصيب يأتون إلى آدم -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "لست هناكم" ويذكر ذنبه فيستحي، ثم يأتون نوحاً فيقول: "لست هناكم" ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحي وهكذا حينما يأتون موسى -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "لست هناكم" ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه.
وتارة يكون الباعث له التقصير، فالحياء خلق يتولد من أمرين: من ملاحظة النعمة والإفضال، ومن ملاحظة التقصير في جانب النعمة، فالله ينعم عليك ويتفضل، وأنت مقصر في شكر هذه النعم فيتولد حالة يقال لها: الحياء، فيستحي الإنسان من الله -عز وجل- لتقصيره في القيام بحقوقه من تحقيق ألوان العبودية له -جل جلاله-.
والباعث الثالث هو حياء الإجلال، ويكون ذلك لمن عرف الله -عز وجل- معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته، وعلى قدر معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه، وتارة يكون الباعث له الكرم، فهو حياء الكرم.
النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أولم على زينب بنت جحش ودعى الناس فطعموا وبقي ثلاثة نفر في البيت استحي النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يأمر هؤلاء النفر بالانصراف، فذهب وطاف على نسائه، ثم رجع فوجدهم في البيت، ثم استحيا النبي -صلى الله عليه وسلم- استحيا من هؤلاء أن يشعرهم باستثقاله من وجودهم عند زوجته أو في بيته في هذا البيت الجديد الذي قد بنى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه على زينب --رضي الله تعالى عنه-ا- للتو، فأقول: هذا حياء كرم.
ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس مع أصحابه لربما أطالوا الجلوس استئناساً به -صلى الله عليه وسلم-، فالله -تبارك وتعالى- أمرهم أن يخففوا عليه، وبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستحي منهم.
ونوع آخر وهو حياء الحشمة -وهو الخامس- كما ذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله- وذلك كما جاء عن علي -رضي الله عنه- أنه طلب من المقداد أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي وذلك لمكان ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم- من علي -رضي الله تعالى عنه-، وقد كان العرب في جاهليتهم يأنفون ويستحيون ويكرهون أن يُتحدث بشيء مما يتعلق بالنساء بحضرة أحد من أقارب المرأة، فأين أولئك الذين يخرقون هذه الأخلاق التي كان أهل الجاهلية يتحلون بها؟!
ونوع سادس: وهو حياء التواضع واستصغار النفس، كحياء العبد من ربه حينما يسأل ربه حوائجه استصغاراً لنفسه.
ونوع سابع: وهو حياء المحبة، حياء المحب من محبوبه إذا خطر على قلبه أو لاقاه؛ ولكن هذه المحبة إذا كانت متجردة عن الإجلال والتعظيم لم تورث الحياء الشرعي المطلوب الذي يحمل صاحبه على الامتثال والانزجار عما لا يليق، وإنما تورث لوناً من المؤانسة فحسب، وإنما تعمر القلوب بالمحبة المقترنة بالإجلال والتعظيم والتقديس لله -جل جلاله-.
ونوعاً ثامن: وهو حياء العبودية، وهو حياء ممتزج من محبة وخوف.
ونوع تاسع: وهو حياء الشرف والعزة، وذلك حياء النفس الكبيرة العظيمة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء أو إحسان، كما أن صاحب هذه النفس يستحي من الآخذ المعطى حتى كأنه هو السائل، ذلك أنه حينما يقدم لغيره شيئاً يرى أنه دون مقامه فإنه يعرق جبينه ويستحي.
كما أن بعضهم لربما استحيا من حيوان بهيم يقول: استحي أن ينظر إلي ذو عينين وأنا أكل فلا أعطيه شيئاً، وكان بعضهم لربما ألقى جميع طعامه لكلب قد حضره، يقول: لا أتمكن أن ينظر إلي كلب أو ينظر إلي مخلوق بعينه وأنا آكل أمامه، فأين الذين يشبعون ويصابون بالتخمة والملايين من البشر يموتون جوعاً؟!
ومن هذا النوع من حياء النفوس الكريمة الأبية حياء أصحاب الشرف والمروءة والقوة والعزة والنخوة حياء صلاح الدين الأيوبي، وذلك أنه لم يُرَ ضاحكاً قبل فتح بيت المقدس، فسئل عن ذلك فقال: "إني لأستحيي من الله أن أضحك وفي القدس صليبي واحد"، وحُق لنا أن نقول: إننا ينبغي أن نستحي من الله -عز وجل- أن نضحك وفي القدس يهودي واحد.
تاسعاً: الطريق إلى الحياء:
كيف ننمي الحياء في نفوسنا؟ كيف نشيعه في مجتمعاتنا؟ كيف نغرسه في أولادنا منذ نعومة أظفارهم؟ كيف نطور هذه الفطرة في نفوسهم ونقويها؟
نقول: أولاً: يكون ذلك باستحضار مراقبة الله تعالى ونظره إلى العبد، فهذا مشهد المراقبة وهو مشهد كبير، وهو أصل لجميع الأعمال القلبية.
أن نستحضر معية الله -عز وجل- نتذكر قول الله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [(4) سورة الحديد]، مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [(7) سورة المجادلة]، وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت للعبد من الحياء ما لا يحصل بدونه، والحياء يجمع بين مقام المعرفة ومقام المراقبة.
وأمر آخر: أن نقوي المعرفة بالله -عز وجل-، بأن نتعرف على صفات الكمال التي وصف الله -عز وجل- بها نفسه من أجل أن نعرفه بها، وذلك أن هذه الصفات الكاملة التي اتصف الله -عز وجل- بها إذا عرف العبد ربه بها معرفة صحيحة عظم الرب في قلب العبد، فهابه وخافه واستحيا منه وعظمه، فهذه معرفة خاصة لأهل الإيمان والتقى، بخلاف المعرفة العامة؛ فالخلق جميعاً يعرفون أن الله هو خالقهم وموجودهم ورازقهم؛ ولكن أهل الإيمان الخاص هم الذين يعرفونه بصفات الكمال على وجه التفصيل، كما بين ذلك في كتابه.
وطريق ذلك هو أن نعرف معاني هذه الأسماء، وأن نتفكر ونتأمل في آيات القرآن العظيم، وأن نفهم عن الله وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن نتفكر في هذه الآيات التي نشاهدها في كون الله -عز وجل- وفي صفحة هذه الآفاق الواسعة، وأن نتـأمل في حكمة الله -عز وجل- وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله في قضائه وقدره وخلقه.
وجماع ذلك: الفقه في معان الأسماء الحسنى وجلالها وكمالها، وتفرده بذلك، وتعلقها بالخلق والأمر، فيكون العبد فقيهاً في أوامر الله ونواهيه، فقيهاً في قضائه وقدره، فقيهاً في أسمائه وصفاته، فقيهاً في الحكم الديني الشرعي، والحكم الكوني القدري، وكلما ازدادت هذه المعرفة، وهذا الفقه كلما ازداد الحياء في قلب الإنسان، فإذا عرف الإنسان ربه معرفة حقيقية ازداد الحياء ونما وترعرع في قلبه.
إن الأسماء والصفات مقتضية لآثارها من العبودية، فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، فعلم العبد بسمع الله وبصره وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، كل ذلك يورثه الحياء، فيحفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله -تبارك وتعالى-.
ومن الأمور التي يحصل بها الحياء وينمو: تنمية العفة في النفوس، وإشاعة العفاف؛ فالعفة هي أحد أركان حسن الخلق الأربعة.
إنها خصلة شريفة تحمل صاحبها على اجتناب الرذائل والقبائح القولية والفعلية، وتحمله على الحياء الذي هو رأس كل خير.
والأمر الرابع الذي ينمي الحياء: هو أن تعرف نفسك، وأن تكسر هذه النفس فلا تتعالى، ولا ينفرط لسانك ولا تنبعث جوارحك لفعل ما لا يليق، فإن الإنسان إذا ضبط نفسه وعرفها وكان فقيهاً بها فإنه يستطيع بعد ذلك -بعون الله -عز وجل-- أن يسيطر عليها، فيضبط سلوكه، فيوجب له ذلك الحياء من الله واستكثار نعمه، وأن يتقالّ ما يقدمه في مقابل هذه النعم من ألوان العبوديات، فلا يكون مدلياً على ربه -تبارك وتعالى- بعمله الصالح.
والأمرٌ الخامس -وهو مهم جداً-: مجالسة من يستحيا منه؛ لأن الطبع سراق، والناس كأسراب القطا جبلوا على تشبه بعضهم ببعض، فمن جالس أهل الحياء فإنه يتخلق بأخلاقهم، ومن جالس أهل الجفاء والبذاء والرعونة فإنه يتخلق بأخلاقهم ولابد.
وإذا نمّى الإنسان ما فيه من القدر والإمكانيات والطاقات، ونمّى أيضاً كل جارحة من جوارحه بحسبها فإن ذلك العضو من أعضاء الإنسان يقوى ويشتد، كما هو معروف، فإذا جالس الإنسان من يستحيي بمجالستهم فإن ذلك يكون سبباً لنماء الحياء في نفسه، ولهذا قال بعض السلف: "أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه"، ويقول الإمام مجاهد: "لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه".
وبهذا تعرف أن الذين يجالسهم الإنسان ممن يسربون عليه الحياء، وممن تجالسهم المرأة ويسربون عليها التزام العفاف والحشمة والحجاب أنهم من الشياطين الذين لبسوا مسوح الآدميين.
والأمر السادس الذي ينمي الحياء: هو أن نتدبر كلام الله -عز وجل- الذي تجلى الله -عز وجل- فيه لعبادة بصفاته، فتارة يتجلى بجلباب الهيبة والعظمة والجلال، وتارة يتجلى بصفة السمع والبصر والعلم فتنبعث في العبد قوة الحياء، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، فتبقى حركاته وأقواله ونظراته وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مرسلة تحت حكم الهوى.
الأمر السابع: وهو التربية على الحياء: فالصغير يقال له منذ الصغر: هذا عيب، هذا لا يليق، ينبغي أن تكف، أيتها البنت استتري، غطِّ ساقك، غطي ركبتك، فضلاً عما هو فوق ذلك، فتجد هذا الصغير سواء كان ذكراً أو أنثى إذا انكشف ساقه أو انكشفت ركبته بادر إلى سترها، وتغير وجهه، ولربما صدرت منه بعض الحركات التي تنبئ عن امتعاضه لانكشاف هذا العضو الذي قد تعود أنه من الخطأ ومن العيب أن ينكشف أمام أنظار الآخرين، فهذه أمور تنمي، فالبنت الصغيرة حينما نربيها على لبس القصير، وحينما نربيها على الشاشة الفضية، وهي تشاهد المرأة في أحضان الرجل يقبلها ويداعبها ويضاحكها، وقد ظهرت بأبهى زينة!
حينما ترى تلك المذيعة تراها في حلتها وزينتها، وقد جعلت أرتالاً من الأصباغ في وجهها، تتكلم بكل جرأة، فأي حياء يبقى عند بناتنا ونسائنا.
((أن يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى)): فلا يدخل في هذا الجوف شيء حرمة الله -عز وجل- من المال الحرام والخمر والدخان وما إلى ذلك، ((ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء))(17).
خطب أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- الناس وقال: "يا معشر المسلمين استحيوا من الله، فو الذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط في الفضاء متقنعاً في ثوبي استحياءً من ربي -عز وجل-".
وقد صور لنا القرآن حال بعض الجاهليين وكيف كانوا يستحيون من الله -عز وجل- قال -تبارك وتعالى- عنهم: أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [(5) سورة هود]: الذي ذكره جمع من السلف في تفسير هذه الآية أن الواحد من هؤلاء المشركين كان إذا خرج إلى الخلاء لقضاء حاجته قال بظهره وصدره هكذا، أماله من أجل أن يكون ظهره حائلاً بينه وبين السماء حياءً من الله -عز وجل-، مع أن الناس لا يرونه، فأين هؤلاء الجاهليين من أولئك المتهتكين الذين يعرضون المفاتن والأجساد العارية، يراها ملايين البشر، ويصوت لهم الملايين من أهل الضعة وأهل الانحطاط والسفور الذين لم يعرفوا مكارم الأخلاق.
النوع الثاني: هو الحياء من الخلق، ويكون بكف الأذى عنهم بجميع أنواعه، بالقول والفعل، وترك سوء الظن بهم، ويكون بترك المجاهرة بكل قبيح.
وبين الحياء من الله -عز وجل- والحياء من المخلوقين ملازمة أكيدة، وقد قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "من لم يستحِ من الناس لا يستحي من الله".
والنوع الثالث: الحياء من النفس، وهو نوع لطيف من الحياء، وهل يستحي الإنسان من نفسه؟
أقول: نعم ذاك حياء يعرفه أصحاب النفوس الكريمة الشريفة العزيزة الرفيعة الأبية، هذه النفوس تستحي من رضاها لنفسها بالنقص، ومن قناعتها بالدون، فيجد الواحد نفسه مستحيياً من نفسه، حتى كأنما له نفسان يستحي بأحدهما من الآخر، ويكون ذلك -أعني الحياء من النفس- بالعفاف وصيانة الخلوات، وهذا أكمل ما يكون من الحياء؛ فإن العبد إذا استحي من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر وأولى كما لا يخفى.
ثامناً: أقسام الحياء من جهة المحرك له والباعث له والداعي إليه:
الحياء إما يكون بسبب الجناية، ويدل على ذلك حديث أنس المخرج في الصحيحين(18)، وهو حديث الشفاعة المشهور، فالناس في ذلك الموقف العصيب يأتون إلى آدم -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "لست هناكم" ويذكر ذنبه فيستحي، ثم يأتون نوحاً فيقول: "لست هناكم" ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحي وهكذا حينما يأتون موسى -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "لست هناكم" ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه.
وتارة يكون الباعث له التقصير، فالحياء خلق يتولد من أمرين: من ملاحظة النعمة والإفضال، ومن ملاحظة التقصير في جانب النعمة، فالله ينعم عليك ويتفضل، وأنت مقصر في شكر هذه النعم فيتولد حالة يقال لها: الحياء، فيستحي الإنسان من الله -عز وجل- لتقصيره في القيام بحقوقه من تحقيق ألوان العبودية له -جل جلاله-.
والباعث الثالث هو حياء الإجلال، ويكون ذلك لمن عرف الله -عز وجل- معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته، وعلى قدر معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه، وتارة يكون الباعث له الكرم، فهو حياء الكرم.
النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أولم على زينب بنت جحش ودعى الناس فطعموا وبقي ثلاثة نفر في البيت استحي النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يأمر هؤلاء النفر بالانصراف، فذهب وطاف على نسائه، ثم رجع فوجدهم في البيت، ثم استحيا النبي -صلى الله عليه وسلم- استحيا من هؤلاء أن يشعرهم باستثقاله من وجودهم عند زوجته أو في بيته في هذا البيت الجديد الذي قد بنى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه على زينب --رضي الله تعالى عنه-ا- للتو، فأقول: هذا حياء كرم.
ومن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس مع أصحابه لربما أطالوا الجلوس استئناساً به -صلى الله عليه وسلم-، فالله -تبارك وتعالى- أمرهم أن يخففوا عليه، وبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستحي منهم.
ونوع آخر وهو حياء الحشمة -وهو الخامس- كما ذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله- وذلك كما جاء عن علي -رضي الله عنه- أنه طلب من المقداد أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي وذلك لمكان ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم- من علي -رضي الله تعالى عنه-، وقد كان العرب في جاهليتهم يأنفون ويستحيون ويكرهون أن يُتحدث بشيء مما يتعلق بالنساء بحضرة أحد من أقارب المرأة، فأين أولئك الذين يخرقون هذه الأخلاق التي كان أهل الجاهلية يتحلون بها؟!
ونوع سادس: وهو حياء التواضع واستصغار النفس، كحياء العبد من ربه حينما يسأل ربه حوائجه استصغاراً لنفسه.
ونوع سابع: وهو حياء المحبة، حياء المحب من محبوبه إذا خطر على قلبه أو لاقاه؛ ولكن هذه المحبة إذا كانت متجردة عن الإجلال والتعظيم لم تورث الحياء الشرعي المطلوب الذي يحمل صاحبه على الامتثال والانزجار عما لا يليق، وإنما تورث لوناً من المؤانسة فحسب، وإنما تعمر القلوب بالمحبة المقترنة بالإجلال والتعظيم والتقديس لله -جل جلاله-.
ونوعاً ثامن: وهو حياء العبودية، وهو حياء ممتزج من محبة وخوف.
ونوع تاسع: وهو حياء الشرف والعزة، وذلك حياء النفس الكبيرة العظيمة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء أو إحسان، كما أن صاحب هذه النفس يستحي من الآخذ المعطى حتى كأنه هو السائل، ذلك أنه حينما يقدم لغيره شيئاً يرى أنه دون مقامه فإنه يعرق جبينه ويستحي.
كما أن بعضهم لربما استحيا من حيوان بهيم يقول: استحي أن ينظر إلي ذو عينين وأنا أكل فلا أعطيه شيئاً، وكان بعضهم لربما ألقى جميع طعامه لكلب قد حضره، يقول: لا أتمكن أن ينظر إلي كلب أو ينظر إلي مخلوق بعينه وأنا آكل أمامه، فأين الذين يشبعون ويصابون بالتخمة والملايين من البشر يموتون جوعاً؟!
ومن هذا النوع من حياء النفوس الكريمة الأبية حياء أصحاب الشرف والمروءة والقوة والعزة والنخوة حياء صلاح الدين الأيوبي، وذلك أنه لم يُرَ ضاحكاً قبل فتح بيت المقدس، فسئل عن ذلك فقال: "إني لأستحيي من الله أن أضحك وفي القدس صليبي واحد"، وحُق لنا أن نقول: إننا ينبغي أن نستحي من الله -عز وجل- أن نضحك وفي القدس يهودي واحد.
تاسعاً: الطريق إلى الحياء:
كيف ننمي الحياء في نفوسنا؟ كيف نشيعه في مجتمعاتنا؟ كيف نغرسه في أولادنا منذ نعومة أظفارهم؟ كيف نطور هذه الفطرة في نفوسهم ونقويها؟
نقول: أولاً: يكون ذلك باستحضار مراقبة الله تعالى ونظره إلى العبد، فهذا مشهد المراقبة وهو مشهد كبير، وهو أصل لجميع الأعمال القلبية.
أن نستحضر معية الله -عز وجل- نتذكر قول الله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [(4) سورة الحديد]، مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [(7) سورة المجادلة]، وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت للعبد من الحياء ما لا يحصل بدونه، والحياء يجمع بين مقام المعرفة ومقام المراقبة.
وأمر آخر: أن نقوي المعرفة بالله -عز وجل-، بأن نتعرف على صفات الكمال التي وصف الله -عز وجل- بها نفسه من أجل أن نعرفه بها، وذلك أن هذه الصفات الكاملة التي اتصف الله -عز وجل- بها إذا عرف العبد ربه بها معرفة صحيحة عظم الرب في قلب العبد، فهابه وخافه واستحيا منه وعظمه، فهذه معرفة خاصة لأهل الإيمان والتقى، بخلاف المعرفة العامة؛ فالخلق جميعاً يعرفون أن الله هو خالقهم وموجودهم ورازقهم؛ ولكن أهل الإيمان الخاص هم الذين يعرفونه بصفات الكمال على وجه التفصيل، كما بين ذلك في كتابه.
وطريق ذلك هو أن نعرف معاني هذه الأسماء، وأن نتفكر ونتأمل في آيات القرآن العظيم، وأن نفهم عن الله وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن نتفكر في هذه الآيات التي نشاهدها في كون الله -عز وجل- وفي صفحة هذه الآفاق الواسعة، وأن نتـأمل في حكمة الله -عز وجل- وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله في قضائه وقدره وخلقه.
وجماع ذلك: الفقه في معان الأسماء الحسنى وجلالها وكمالها، وتفرده بذلك، وتعلقها بالخلق والأمر، فيكون العبد فقيهاً في أوامر الله ونواهيه، فقيهاً في قضائه وقدره، فقيهاً في أسمائه وصفاته، فقيهاً في الحكم الديني الشرعي، والحكم الكوني القدري، وكلما ازدادت هذه المعرفة، وهذا الفقه كلما ازداد الحياء في قلب الإنسان، فإذا عرف الإنسان ربه معرفة حقيقية ازداد الحياء ونما وترعرع في قلبه.
إن الأسماء والصفات مقتضية لآثارها من العبودية، فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، فعلم العبد بسمع الله وبصره وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، كل ذلك يورثه الحياء، فيحفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله -تبارك وتعالى-.
ومن الأمور التي يحصل بها الحياء وينمو: تنمية العفة في النفوس، وإشاعة العفاف؛ فالعفة هي أحد أركان حسن الخلق الأربعة.
إنها خصلة شريفة تحمل صاحبها على اجتناب الرذائل والقبائح القولية والفعلية، وتحمله على الحياء الذي هو رأس كل خير.
والأمر الرابع الذي ينمي الحياء: هو أن تعرف نفسك، وأن تكسر هذه النفس فلا تتعالى، ولا ينفرط لسانك ولا تنبعث جوارحك لفعل ما لا يليق، فإن الإنسان إذا ضبط نفسه وعرفها وكان فقيهاً بها فإنه يستطيع بعد ذلك -بعون الله -عز وجل-- أن يسيطر عليها، فيضبط سلوكه، فيوجب له ذلك الحياء من الله واستكثار نعمه، وأن يتقالّ ما يقدمه في مقابل هذه النعم من ألوان العبوديات، فلا يكون مدلياً على ربه -تبارك وتعالى- بعمله الصالح.
والأمرٌ الخامس -وهو مهم جداً-: مجالسة من يستحيا منه؛ لأن الطبع سراق، والناس كأسراب القطا جبلوا على تشبه بعضهم ببعض، فمن جالس أهل الحياء فإنه يتخلق بأخلاقهم، ومن جالس أهل الجفاء والبذاء والرعونة فإنه يتخلق بأخلاقهم ولابد.
وإذا نمّى الإنسان ما فيه من القدر والإمكانيات والطاقات، ونمّى أيضاً كل جارحة من جوارحه بحسبها فإن ذلك العضو من أعضاء الإنسان يقوى ويشتد، كما هو معروف، فإذا جالس الإنسان من يستحيي بمجالستهم فإن ذلك يكون سبباً لنماء الحياء في نفسه، ولهذا قال بعض السلف: "أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه"، ويقول الإمام مجاهد: "لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه".
وبهذا تعرف أن الذين يجالسهم الإنسان ممن يسربون عليه الحياء، وممن تجالسهم المرأة ويسربون عليها التزام العفاف والحشمة والحجاب أنهم من الشياطين الذين لبسوا مسوح الآدميين.
والأمر السادس الذي ينمي الحياء: هو أن نتدبر كلام الله -عز وجل- الذي تجلى الله -عز وجل- فيه لعبادة بصفاته، فتارة يتجلى بجلباب الهيبة والعظمة والجلال، وتارة يتجلى بصفة السمع والبصر والعلم فتنبعث في العبد قوة الحياء، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، فتبقى حركاته وأقواله ونظراته وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مرسلة تحت حكم الهوى.
الأمر السابع: وهو التربية على الحياء: فالصغير يقال له منذ الصغر: هذا عيب، هذا لا يليق، ينبغي أن تكف، أيتها البنت استتري، غطِّ ساقك، غطي ركبتك، فضلاً عما هو فوق ذلك، فتجد هذا الصغير سواء كان ذكراً أو أنثى إذا انكشف ساقه أو انكشفت ركبته بادر إلى سترها، وتغير وجهه، ولربما صدرت منه بعض الحركات التي تنبئ عن امتعاضه لانكشاف هذا العضو الذي قد تعود أنه من الخطأ ومن العيب أن ينكشف أمام أنظار الآخرين، فهذه أمور تنمي، فالبنت الصغيرة حينما نربيها على لبس القصير، وحينما نربيها على الشاشة الفضية، وهي تشاهد المرأة في أحضان الرجل يقبلها ويداعبها ويضاحكها، وقد ظهرت بأبهى زينة!
حينما ترى تلك المذيعة تراها في حلتها وزينتها، وقد جعلت أرتالاً من الأصباغ في وجهها، تتكلم بكل جرأة، فأي حياء يبقى عند بناتنا ونسائنا.
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت***ولا تلين إذا كانت من الخشبِ
الأمر الثامن: هو إزالة ما ينافي الحياء، أخرجوا هذه الأجهزة المدمرة من بيوتكم، أخرجوها من بيوتكم يبقى لكم الحياء والعفة والشرف، تبقى لكم مقومات الوجود، يبقى لكم الدين والأخلاق والفضيلة والشرف والعفاف، أما هذه القنوات الساقطة إلا ما رحم الله -عز وجل- فإنها تفري الحياء فرياً، وتفتك بالأخلاق، وتعرض الفتنة بأبهى صورها، إنها تحطم القيم.
إن التسمر أمام هذه الشاشات من قبل الشباب والفتيات، بل من قبل العجائز والشيوخ أمر يحطم كل معنى حميد تربى عليه الإنسان عشرات السنين.
إنهم يصورون الفضيلة على أنها تخلف، إنهم يؤسسون الأسس والقواعد التي تدمر ما بقي في نفوسنا من الفضائل، إنهم يصورون المرأة التي تحافظ على طهرها وحيائها وحشمتها وعفافها بالمتخلفة وبالرجعية بالانطوائية، بالمعقدة، بالمريضة، إنهم يصورونها بأسوأ الصور، يصورون المرأة العصرية المتمدنة بالجريئة المتهتكة.
لا زلت أتذكر كلمة سمعتها منذ أكثر من عشرين سنة قالها أحد الدعاة يصف بها مشهد في بلده: هذه امرأة قد لبست لباساً يلبسه من لا خلاق له على شواطئ البحار، وقد جاء المصور ليصورها ولا زال فيها بقية من حياء، فضمت فخذيها وساقيها، فماذا قال هذا المصور مستفزاً لها؟ قال لها: أنت صعيدية -كما يقال عندنا: أنت قروية- فاستفزها بهذه الكلمة، فبادرت ففرجت بين فخذيها وساقيها ليلتقط لها صورة في أبشع أحوالها وأقذرها!!
هكذا تدمر الأخلاق، حيث تبرز المرأة العصرية على أنها المتهتكة المتبرجة التي باعت حياءها وحشمتها وترجلت وظهرت أمام الشاشات تشاهدها الملايين، تعرض فتنتها سلعة رخيصة، تعرض جسداً عارياً قد ظهرت فيه ألوان المفاتن، إنها تجارة رخيصة لا تنطلي ولا يبتاعها ولا يرتادها إلا من قل حياؤه، ومن قلت مراقبته لله -تبارك وتعالى-.
إنه تصحر الأخلاق في عصر أدعى فيه الإنسان أنه قد حصل ألوان العلوم واستطاع أن يسيطر على كثير من المقدرات، وأن يسخرها في صالح الإنسان، وفي إزاء ذلك نجد فقدان القيم، ونجد تدمير كل خلق شريف كريم.
مما ينمي هذا الخلق في نفسك أيها المسلم أن تستحضر أن الملائكة يرونك، وأن الله يقول: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [(18) سورة ق]، هذا الفعل الذي قد تفعله وهو لا يليق يراه الملك ويشاهده، والملائكة يطوفون فينا صباح مساء، كما أخبر النبي –-صلى الله عليه وسلم-- إذ يقول: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار))(19)، فينبغي للإنسان أن يستحيي من نظرهم.
الأمر التاسع مما ينمي الحياء: الإمساك عما تقتضيه قلة الحياء من الأقوال والأفعال، ((إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم))(20)، وأٌقول: إنما الحياء بتكسبه وتطلبه، فإذا فعل الإنسان الأفعال التي تليق بأهل الحياء كان ذلك خلقاً راسخاً له، وإذا فعل ما يضاد ذلك أنخلع من ربقة الحياء.
الأمر العاشر: أن نتذكر الآثار الطيبة للحياء والآثار القبيحة لقلة الحياء.
الأمر الحادي عشر: وهو أن نجاهد النفس، وأن نروضها على الأخلاق الفاضلة؛ ذلك أن كل شرف وكل علو ورفعة يحتاج إلى مجاهدة ومكابدة وألوان من الصبر؛ لأن أضداد ذلك تزين خلافه، والنفس فيها نوازع، فكما أن الحياء غريزة وفطرة فكذلك في النفس الأمارة بالسوء داعي الهوى والنفس يحرك الإنسان ويدعوه إلى فعل ما لا يليق، فيبقى الصراع محتدماً بين الفضيلة والرذيلة، بين داعٍ يدعوه إلى الخير وملازمة الأخلاق الفاضلة، وبين داعٍ يدعوه إلى غير ذلك.
الأمر الثاني عشر مما ينمي الحياء: النظر في سيرة أهل الفضل والشرف، وعلى رأسهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النظر في أخلاقه وصفاته وشمائله، والنظر في سير الصحابة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن أمهات المؤمنين ومطالعه أخلاقهم.
والثالث عشر: حياة القلب فإذا كان القلب حياً كان الحياء حاضراً، وكما قلت في أول هذا الحديث: الحياء من الحياة، ومن لا حياة في قلبه لا حياء له، فعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح، وكلما كانت حياة قلوبنا أكبر وأكمل كلما كان الحياء فينا أتم وأكمل، ولهذا قال عمر -رضي الله عنه-: "من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه".
ولهذا عد العلماء -رحمهم الله- ذكر القلب وأنه أفضل من ذكر اللسان، قالوا: إن ذكر القلب يدل على حياة القلب، ويكون محرك له، ويثمر فيه المعرفة ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، أما ذكر اللسان المجرد فإنه قد لا يوجب شيء من ذك؛ لأن الإنسان قد يذكر ربه وهو غافل، فلا بد من حضور القلب.
عاشراً: ما هي موانع الحياء؟
الحياء له أضداد، وله موانع، هناك أمور تضعفه وتحطمه في نفوسنا، ومن الخطأ الكبير أن نجعل هذه الخصلة الفذة الشريفة عرضه لكل آسر وكاسر، من الخطأ أن نجعلها عرضة للصوص الأخلاق، ولدعاة الرذيلة، من الخطأ أن نجعلها عرضة لأن ينتشلها وأن يقتلعها من نفوسنا لصوص الأخلاق وشياطين الإنس والجن.
مما يضعف الحياء المعاصي بجميع أنواعها، فالذنوب تضعفه في القلب حتى ربما مات القلب بسبب هذه الذنوب، وانسلخ القلب من الحياء بالكلية، فلا يتأثر الإنسان بفعل القبيح، بل لربما تبجح به، وأخبر الناس عنه، وافتخر بما لا يليق.
إذا كان الإنسان مدمناً لمعاصي الله -عز وجل- معتاداً لها فإنه لا يرعوي، يفعل ذلك والناس يشاهدونه، ومثال ذلك انظر إلى حال المدخن مثلاً، تراه يوقد سيجارته ثم يبدأ يدخن أمام الآخرين بلا حياء، فهو لا يرى في ذلك غضاضة، بينما الآخر الذي ما اعتاد على هذه الخصلة السيئة لو أراد أن يفعلها فإنه يختفي، فما الذي يجعل هذا يختفي والآخر يتبجح؟
ومثل ذلك إذا أراد الإنسان أن يواقع ما لا يليق أو يسافر إلى بلاد عرفت بالفجور فإن من قل حياؤه وأدمن هذه الذنوب والمعاصي يسافر جهاراً نهاراً، ويخبر عن بطولاته وخيبته وممارساته الشنيعة في تلك البلاد، وأما الآخر فإنه يخفى ذلك غاية الإخفاء، ويشعر بالحرج الشديد إذا اطلع الناس على ذلك، فبين الذنوب وبين قلة الحياء ملازمة أكيدة.
مما يضعف الحياء ويخرمه سماع الأغاني كما قال يزيد بن الوليد -من خلفاء بني أمية-: "يا بني أمية، إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنا".
ومما يضعف الحياء التربية السيئة، إحدى النساء كتبت وهي كاتبة معروفة بقلة الحياء، وبالدعوة إلى التبرج والسفور، تقول: "ثم ماذا إذا اكتشفت أن ابنتي على علاقة بشاب تحادثه ويحادثها، وتخرج معه ويخرج معها"، تقول هذا في صحيفة وتكتبه باسمها الصريح، وهكذا تفعل التربية السيئة حيث يخرج الإنسان من ربقة الحياء.
ومن ذلك أيضاً كثرة مخالطة النساء للرجال، فالمرأة التي تعمل في مجال الرجال فتخالطهم، وتحضر معهم الاجتماعات، ولربما تطببهم، وما إلى ذلك، كل هذا يذهب ماء وجهها شيئاً فشيئاً، ثم تكون بعد ذلك مترجلة، ويذهب عنها الحياء شيئاً فشيئاً، حتى لا يبقى معها منه شيء، بل لربما أرادت أن تبدي لغيرها أنها امرأة لديها قدرة على الاندماج، ولديها قدرة على مداخلة الآخرين، ولديها قدرة على كسر التقاليد -كما يقال- وما علمت أن مخالطة النساء للرجال تكسر الشرف والخلق والدين والفضيلة.
هذه امرأة يقال لها: زينب زنت بعبدها وهي من أشراف العرب، فقيل لها: كيف زنيت بعبدك؟ فقالت: "طول الوساد، وكثرة السواد"، كثرة المخالطة مع طول المحادثة.
زنت بعبد تملكه، وقد كانت النساء في الجاهلية يأنفن من الزنا بالأحرار والشرفاء، فكيف بالأرقاء؟.
ومما يدمر الحياء ويضعفه مخالطة من قل حياؤهم أو إدمان النظر إليهم عبر المسلسلات والبرامج، والنظر إلى الصور، وما إلى ذلك مما يعرض علينا صباح مساء، فهذا إذا نظر فيه الشاب أو الفتاة مرة بعد مرة جرده من الفضيلة والحياء، وصار يريد أن يحاكي الآخرين بهذه الأخلاق الرذيلة التي يتحلون بها.
وأمر آخر مما يدمر الحياء: كثرة خروج المرأة من بيتها، المرأة يقول الله لها: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [(33) سورة الأحزاب]، والتبرج من البروج وهو الظهور والانكشاف، ومنه قيل للبرج ذلك؛ لأنه منكشف ظاهر.
فالمرأة التي تخرج من بيتها خروجها لون تبرج، وإنما مكان المرأة هو بيتها وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وفي القراءة الأخرى المتواترة: وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ أمر بالقرار وأمر بالوقار، وهما متلازمان، فوقار المرأة في قرارها، وذهاب ماء الوجه إنما يكون بكثرة خروجها.
((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان))(21): أي هم بها، فما أحوجنا إلى التنبه لهذا المعنى في وقت قد أجلب الشيطان علينا في هذا الزمان بخيله ورجله من دعاة خروج المرأة حيث يقولون ويكتبون ويتكلمون، ويخرجون في القنوات والإذاعات وفي الإنترنت وغير ذلك يدعون إلى خروج المرأة، وإلى تفعيل نصف المجتمع من أجل تحطيم المجتمع.
فالمرأة تقوم بدورها الريادي في تربية الجيل، وحفظ كيان الأسرة بالقرار في البيت، فيأتي الرجل الشريك الأخر، وقد وجد بيته مهيئاً، ووجد شريكه الأخر قد أرضع الصغير، وقام على المريض، وقد قام على حوائجه، وصنع ما يلزم.
وهذا الرجل يشارك في ميادين الحياة ويقوم بما يجب، ويعافس كثيراً ويكابد كثيراً من أجل تحصيل لقمة شريفة يقتات فيها هو وعياله، فيتربى جيل على الطهر والشرف والعفاف والفضيلة.
وأما إذا خرجت المرأة بدعوى أنها ليست بدجاجة، كما يقول الأمام العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- فإنهم يضطرون إلى دجاجات يحبسونها في البيت من سائق ومربية أو مربٍ وخادمة، وبعض من لا يعرف قدر التربية، يتركون تربية الأولاد للخدم والخادمات.
الحادي عشر: نماذج من الحياء:
النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء وصفه كما في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها(22).
ولما سألته امرأة كيف تتطهر من الحيض؟ قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((خذي فرصة من مسك -يعني فيها مسك- فتطهري بها)) ثم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استحيا فأعرض عنها، فكانت المرأة تسأل؛ لأنها لم تفهم، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سبحان الله، تطهري))، قالت عائشة –-رضي الله عنه-ا-: فاجتبذتها إليَّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم(23).
ومن النماذج الإمام البخاري صاحب الصحيح -رحمه الله-- كان شديد الحياء، دخل مرة على أحد شيوخه وهو محمد بن سلام، فلما خرج قال محمد بن سلام لمن حضره: "أترون البكر أشد حياء من هذا".
وهذا أنس يصف أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- بأنه كان إذا نام لبس تباناً، والتبان هو السراويل القصيرة إلى الركبة أو ما فوقها، يلبسه تحت الإزار كراهة أو خوفاً من أن تنكشف عورته وهو نائم.
وكان أبو موسى يقول: "إني لا أغتسل في البيت المظلم فأحني ظهري حياء من ربي" فأين الذين يتكشفون؟ وأين النساء اللاتي يتكشفن أمام ملايين الخلق عبر برامج هابطة ولا حول ولا قوة إلا بالله؟.
وهاذ ابن عباس لم يكن يدخل الحمام -وهو المكان الذي يغتسلون فيه- إلا وحده، وعليه ثوب صفيق، يعني متين، ويقول: "إني أستحي من الله أن يراني في الحمام متجرداً".
ودخل رجل على الإمام الحميدي -رحمه الله- وظن أنه أذن له ولم يأذن بعد، فنظر إليه فرأى طرفاً من فخذه فبكى، وقال: "والله لقد نظرتَ إلى موضع لم ينظره أحد منذ عقلت".
وخرج زيد بن ثابت -رضي الله عنه- في يوم الجمعة فوجد الناس قد خرجوا من الصلاة -تأخر لسبب أو لآخر- فدخل بيته واختفى، فلما سئل قال: "إنه لا يستحي من الناس من لا يستحي من الله!"
فأين الذي يقيم في بيته لا يحضر الجمعة ولا الجماعة؟ أين حياؤه من الله -عز وجل-؟ وأين حياؤه من جيرانه؟.
وهذا الأسود بن يزيد كان يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يخضر ويصفر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: "مالي لا أجزع، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه، مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير فيعفو عنه، فلا يزال مستحيياً منه".
وهذا محمد بن يحي لما وضعوه على السرير يغسلونه بعد موته قالت جارية له وهي مملوكه له: "خدمته ثلاثين سنة، وكنت أضع له الماء ليغتسل فما رأيت ساقه قط، وأنا ملك له" ما رأت ساقه وهي ملك له!!
وهذا أبو الهذيل يقول: "أدركنا أقواماً وإن أحدهم يستحي من الله في سواد الليل" يعني من التكشف.
وهذه امرأة معاصرة كتب عنها أحد الدعاة حينما أقيم مخيم طبي لعلاج أمراض العيون في بعض البلاد الشرقية -في بنغلاديش- فجاء رجل مسن وامرأة مسنة، جاءت وجاء زوجها وهما في غاية التردد والارتباك، لما أراد الطبيب أن يقترب منها فإذا بها تبكي وترتجف وتضطرب من الخوف، ظن الطبيب أنها تتألم من المرض، فسأل زوجها فقال الزوج وهو يغالب دموعه وهو رجل مسن: "إنها لا تبكي من الألم، بل تبكي لأنها ستضطر أن تكشف وجهها لرجل أجنبي" ويقول: "إنها لم تنم الليلة الماضية من القلق والارتباك، وكانت تعاتبني كثيراً أوَ ترضى أن أكشف وجهي؟ يقول: "وما قبلت أن تأتي هاهنا إلا بعد أن أقسمت لها الأيمان المغلظة أن هذه ضرورة، وأنه يجوز كشف ذلك للضرورة!! كل ذلك لأنها ستكشف وجهها، لن تكشف سؤتها، ولن تكشف فخذها ولا بطنها ولا ظهرها ولا سرتها، فلما أقترب منها الطبيب نفرت مرة أخرى، ثم قالت: هل أنت مسلم؟ قال: نعم، ثم قالت: إن كنت مسلماً فأسألك بالله ألا تهتك ستري، ثم بين لها أن ذلك يباح لها، ثم قالت: والله لولا اثنتان لأحببت أن أصبر على حالتي هذه: قراءة القرآن، وخدمتي لزوجي وأولاده". هذه امرأة مسنة في بنغلاديش، فكيف حال فتيات المسلمين اليوم، والله المستعان؟!.
من نماذج الحياء أن يطهر المسلم لسانه من الفحش ومعيب الألفاظ، ومن سوء الأدب، ومن تقلت الألفاظ النابية البذيئة من لسانه غير عابئ بموقعها وأثرها.
من الحياء أن يقتصد الإنسان في المجالس إذا جلس فيها في الحديث؛ لأن ذلك مظنة للزلل.
ومن الحياء أن يتوقى الإنسان ويتحاشى أن يؤثر عنه سوء في قول أو فعل أو حال، فيتلطخ عرضه.
من الحياء أن تحافظ المرأة المسلمة على كرامتها وحشمتها، وأن تراقب ربها، وتحفظ حق زوجها، وأن تبتعد عن مسالك الريبة والشبهة.
ومن الحياء أن نعرف لأصحاب الحقوق حقوقهم.
الثاني عشر: مظاهر لقلة الحياء:
من المظاهر المشينة التي تدل على قلة حياء أصحابها: المجاهرة بالمعاصي عموماً إما بالتدخين أو برفع صوت المعازف في السيارة عند إشارات المرور، وكذلك المجاهرة بسائر أنواع الذنوب والمعاصي.
ومن المظاهر: كثرة اللجاج والخصومة، وعقوق الوالدين، وقلة الأدب مع المربين والمصلحين، وأذية الناس، كأذية الجيران والأقارب وغيرهم، والتصرفات غير المسؤولة بالسيارات.
ومن مظاهر قلة الحياء أيضاً: المزاح المسف والتبذل، والتهتك التعري، تبرج النساء ومزاحمة الرجال في الأسواق والأماكن العامة، والمعاكسات، وتقليد الكفار في مستهجن عاداتهم، والكتابات البذيئة على الجدران والأماكن العامة، ورسائل الجوال المخلة بالأدب، ونغمات الجوال الموسيقية.
ومنها أيضاً: ما يجري في الكوافير والمشاغل النسائية من أمور يندى لها الجبين من كشف السوءات، وهتك العورات، والتخلي عن الحياء والفضيلة، مع أن النبي –صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من امرأة تضع أثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها))(24).
ومن مظاهر قلة الحياء: لباس النساء في الأعراس ولبس العباءات الفاتنة والنقاب المخل بالحشمة، ومضاحكة الرجال الأجانب، والخضوع بالقول معهم، واتصال النساء المباشر على البرامج المباشرة، وطرح الأسئلة الجريئة، وكذلك خروج النساء للمطاعم ومقاهي الإنترنت، والكوفي شوب وغير ذلك، وما بعض سيدات الأعمال عنا ببعيد، حينما يخرجن على مرأى الرجال وينقل ذلك على صفحات الصحف الأولى، وقد خرجن متهتكات مبديات لشعورهن ووجوههن، فهؤلاء لا يمثلن المرأة المسلمة العفيفة الشريفة.
ومن مظاهر قلة الحياء كذلك ما يفعله بعض الشباب من التأنث والتهتك، وما تفعله بعض النساء عند البيع والشراء من أعطاء البائع ليقيس عليها الذهب، وكذلك وإخراج يدها له ليعطرها، وكذلك قد تسأل ذلك البائع عن هذا الفستان هل هو ملائم لها أو نحو ذلك، ولربما أخذ مقاس العباءة أو الثوب عليها من مقدمها ومؤخرها، ولربما تكلمت معه بشيء من الغنج وطالبته أن يضع من السعر من أجل خاطرها، ومن أجل نفسها ومن أجلها، وتتبادل الأرقام بينها وبين البائع ليزودها أولاً بأول بآخر الصرعات والعروضات والموضات والموديلات!!
ومن مظاهر قلة الحياء عند النساء خاصة: أن تأتي المرأة مدخلة لأنفها فيما لا يعنيها حينما ترى رجال الهيئة الأبرار وهم يتحاورون مع بعض الشباب فتسأل عن هذا وتشفع له وهو لا يمت لها بصلة، ولربما نزلت من السيارة تشفع لسائقها وتقول: من أجلي هذه المرة.
وقد زودني بعض رجال الهيئة الفضلاء -جزاهم الله خيراً- بألوان مما يشاهدونه مما يندى له الجبين، وبعضه استحي من ذكره.
ومن مظاهر قلة الحياء أيضاً: مشي المرأة في وسط الطريق، ولربما -وهي الموضة الحديثة- وضعت يدها بيد زوجها، وهي تمشي، ولربما وضع يده من خلفها إلى خصرها، وهو يمشي معها، وهذه آخر الصرعات الآن، ولا أدري من الذي يرسم لهم هذه الألوان من قلة الحياء؟
ربما كانت الدعايات على صفحات المجلات والصحف، سواء دعايات السيارات أو دعايات الخيام أو دعايات أخرى، حيث تعرض المرأة كاشفة لوجهها وعليها عباءة مخصرة، تتسوق وقد أخذ بيدها، أو وضع يده من وراء ظهرها!
ومن المظاهر أيضاً: الخلوة مع الطبيب والتكشف للطبيب من غير حاجة، مع أنه يوجد نساء طبيبات، بل ربما جلس الزوج في الخارج ينتظر ماذا يتمحض عنه هذا اللقاء بين زوجته وبين هذا الطبيب، وكأن هذا الزوج قد نزعت منه الرجولة والفحولة والمروءة والأخلاق.
ومن المظاهر ما كتبته أحداهن في إحدى الصحف المأجورة تتحدث عن سائقات ومفحطات على شاطئ نصف القمر، وتقول إحدى النساء: إنها تقربع، ولا أدري ماذا تقربع على شاطئ نصف القمر؟ فنحن لا نعرف القرابيع على شاطئ نصف القمر.
ويتحدثون أيضاً عن القنص على شاطئ نصف القمر، ولا أدري هل هو قنص القلوب أو هو قنص الصيود؟ ولا نعرف الصيود على شاطئ نصف القمر، فهؤلاء يدعون إلى تهتك المرأة وخروجها، وخلع جلباب حيائها.
ومن ذلك ما تطالعنا به بعض القنوات في هذه الأيام في الوقت الذي يمزق فيه الإسلام وأهله في كل مكان، وتستحل ثروات الأمة ومقدراتها، وتهدر دماء المسلمين في أراضي كثيرة، فنفاجئ بانحطاط جديد يخترعه الفرنسيون، ثم يأتي من يزعمون أنهم من العرب أو من المسلمين ليستنسخوا هذا الانحطاط ويطبقونه على أولادنا وفتياتنا، ويجعلون عالمنا مشدوداً بأخر التقليعات الساقطة، والمنكر الفاضح، ومبارزة الله -عز وجل- في المعاصي، فعلى الهواء مباشرة ببث حي مباشر لمجموعة من الضحايا من الشباب والفتيات الذين يتنافسون على المنكر، وعلى ما يسخط الله -تبارك وتعالى-، فأكثرهم إبداعاً هو أكثرهم إجادة للرقص والتهتك، فيكون فائزاً بالدرجات العالية، فأكثرهم ظهوراً وبروزاً هو أكثرهم إبداء لحميمية الصداقة واللطافة مع هؤلاء الفتيات، ومن يجيد العزف والغناء، فهذا هو الفائز.
من ترشح اليوم؟ من يكون الفائز في هذه الرقصة؟ وأنتِ أيتها الفتاة من ترشحين من الشباب ليكون الفائز عندك؟ ومن هو الشاب الذي دخل قلبك وتتمنين أن تقضين أوقات دافئة معه؟ ساعدي هذا الشاب وأنت ساعد هذه الفتاة التي أعجبت بقوامها واتصل واعطها صوتك، فالقائمون على تلك القناة يسحقون الفضيلة والأخلاق بفعلهم هذا علانية في نفوس الأمة، وهكذا تمزق الفضيلة، وينحر الحياء من الوريد إلى الوريد!.
إحصائيات:
صدرت إحصائيات كثيرة تدل على أعداد المصوتين لهذه البرامج الفاضحة الساقطة بأرقام خيالية:
في مصر: ثلاث وعشرون مليوناً ومائة وخمس وسبعون ألف اتصالٍ.
في لبنان: ثمانية عشر مليوناً وخمس مائة وست وثلاثون ألف اتصال.
في الكويت: ثلاث مائة ألف اتصال.
الإمارات: مليون ومائتان وواحد وعشرون اتصالاً.
اليمن: سبعة الآلف اتصال.
سوريا: ستة عشر مليوناً وتسع مائة ألف وثلاث وثلاثون اتصالاً.
في الأردن: ثمانية ملايين وثمانية وسبعون ألف اتصال، وهكذا...
فأقول: بينما الأصوات التي صوتت ضد الحرب في أفغانستان كانت لا تتجاوز ثلاثة ملايين صوت.
هذا البرنامج يصور لأربع وعشرين ساعة لحياة من التهتك بين شباب وفتيات يفعلون ما لا يليق ويلبسون ما لا يليق، ويتراقصون ويتضاحكون، ويفعلون ما يخدش الحياء والفضيلة، ويتلقفهم ملايين البشر ينظرون إليهم، ويراقبون نومهم ويقظتهم، وأكلهم وقبلاتهم، ثم بعد ذلك يؤثر ذلك تأثيراً عظيماً.
ومن مظاهر قلة الحياء المنتشرة في مدارسنا بين بعض فتيات المسلمين أن تسمع بعض الفتيات تقول: ميرة زعلانة، ميرة صدرها فيه ضيق على فلان، ميرة ما تحبه وهو مجنون فيها عليها، وأخرى تصف آخر من هؤلاء فتقول: فلان وفلانة ما يحبون بعض.
وأخرى تتكلم عن ما يجري هناك وأن زميلتها الطالبة في الثانوية كانت تعطيها بعض الأرقام لبعض الشبان فكانت تستحيي وتتحرج، فقالت لها: ما عليك إلا أن تشاهدي ثلاث حلقات من هذا البرنامج، ثم بعد ذلك تعرفين أنك منطوية، وأنك منكفئة على الذات، وأنك متخلفة، وأنك رجعية، وأنك مريضة.
تقول: شاهدت بعض هذه المشاهد واللقطات فصرت طوال اليوم في المدرسة ارتقب متى أخرج إلى البيت لمتابعة البرنامج، وصرت أتمنى أني في أحضان أحد هؤلاء الشباب الوسيمين الذين ظهروا في هذا البرنامج، وبدأت أبحث عن شاب أكون علاقة معه.
أقول: هذا للأسف الشديد يعرض على فتياتنا، فأين أهل المروءة والشرف والكرم؟ بنات المسلمين يشاهدن هذه الصور ثم يقلن مثل هذا الكلام، فماذا أنتم فاعلون؟!!
إن الوقت الذي نجد فيه تهديداً للنفوس والأموال نجد تهديداً للدين والفضيلة والأخلاق والعفاف والشرف، إنها قضايا تتعلق بالضرورات الخمس، وهي ليست قابلة للعبث واللعب والتدمير والتخريب.
الثالث عشر: ما يتعلق بثمرات الحياء:
إن الحياء يزجر صاحبه عن المعصية ومقارفة ما لا يليق، وبغياب الحياء تتدمر الأخلاق وترتكب الفواحش والوبقات، وفي الحديث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت))(25).
إن التسمر أمام هذه الشاشات من قبل الشباب والفتيات، بل من قبل العجائز والشيوخ أمر يحطم كل معنى حميد تربى عليه الإنسان عشرات السنين.
إنهم يصورون الفضيلة على أنها تخلف، إنهم يؤسسون الأسس والقواعد التي تدمر ما بقي في نفوسنا من الفضائل، إنهم يصورون المرأة التي تحافظ على طهرها وحيائها وحشمتها وعفافها بالمتخلفة وبالرجعية بالانطوائية، بالمعقدة، بالمريضة، إنهم يصورونها بأسوأ الصور، يصورون المرأة العصرية المتمدنة بالجريئة المتهتكة.
لا زلت أتذكر كلمة سمعتها منذ أكثر من عشرين سنة قالها أحد الدعاة يصف بها مشهد في بلده: هذه امرأة قد لبست لباساً يلبسه من لا خلاق له على شواطئ البحار، وقد جاء المصور ليصورها ولا زال فيها بقية من حياء، فضمت فخذيها وساقيها، فماذا قال هذا المصور مستفزاً لها؟ قال لها: أنت صعيدية -كما يقال عندنا: أنت قروية- فاستفزها بهذه الكلمة، فبادرت ففرجت بين فخذيها وساقيها ليلتقط لها صورة في أبشع أحوالها وأقذرها!!
هكذا تدمر الأخلاق، حيث تبرز المرأة العصرية على أنها المتهتكة المتبرجة التي باعت حياءها وحشمتها وترجلت وظهرت أمام الشاشات تشاهدها الملايين، تعرض فتنتها سلعة رخيصة، تعرض جسداً عارياً قد ظهرت فيه ألوان المفاتن، إنها تجارة رخيصة لا تنطلي ولا يبتاعها ولا يرتادها إلا من قل حياؤه، ومن قلت مراقبته لله -تبارك وتعالى-.
إنه تصحر الأخلاق في عصر أدعى فيه الإنسان أنه قد حصل ألوان العلوم واستطاع أن يسيطر على كثير من المقدرات، وأن يسخرها في صالح الإنسان، وفي إزاء ذلك نجد فقدان القيم، ونجد تدمير كل خلق شريف كريم.
مما ينمي هذا الخلق في نفسك أيها المسلم أن تستحضر أن الملائكة يرونك، وأن الله يقول: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [(18) سورة ق]، هذا الفعل الذي قد تفعله وهو لا يليق يراه الملك ويشاهده، والملائكة يطوفون فينا صباح مساء، كما أخبر النبي –-صلى الله عليه وسلم-- إذ يقول: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار))(19)، فينبغي للإنسان أن يستحيي من نظرهم.
الأمر التاسع مما ينمي الحياء: الإمساك عما تقتضيه قلة الحياء من الأقوال والأفعال، ((إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم))(20)، وأٌقول: إنما الحياء بتكسبه وتطلبه، فإذا فعل الإنسان الأفعال التي تليق بأهل الحياء كان ذلك خلقاً راسخاً له، وإذا فعل ما يضاد ذلك أنخلع من ربقة الحياء.
الأمر العاشر: أن نتذكر الآثار الطيبة للحياء والآثار القبيحة لقلة الحياء.
الأمر الحادي عشر: وهو أن نجاهد النفس، وأن نروضها على الأخلاق الفاضلة؛ ذلك أن كل شرف وكل علو ورفعة يحتاج إلى مجاهدة ومكابدة وألوان من الصبر؛ لأن أضداد ذلك تزين خلافه، والنفس فيها نوازع، فكما أن الحياء غريزة وفطرة فكذلك في النفس الأمارة بالسوء داعي الهوى والنفس يحرك الإنسان ويدعوه إلى فعل ما لا يليق، فيبقى الصراع محتدماً بين الفضيلة والرذيلة، بين داعٍ يدعوه إلى الخير وملازمة الأخلاق الفاضلة، وبين داعٍ يدعوه إلى غير ذلك.
الأمر الثاني عشر مما ينمي الحياء: النظر في سيرة أهل الفضل والشرف، وعلى رأسهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النظر في أخلاقه وصفاته وشمائله، والنظر في سير الصحابة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن أمهات المؤمنين ومطالعه أخلاقهم.
والثالث عشر: حياة القلب فإذا كان القلب حياً كان الحياء حاضراً، وكما قلت في أول هذا الحديث: الحياء من الحياة، ومن لا حياة في قلبه لا حياء له، فعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح، وكلما كانت حياة قلوبنا أكبر وأكمل كلما كان الحياء فينا أتم وأكمل، ولهذا قال عمر -رضي الله عنه-: "من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه".
ولهذا عد العلماء -رحمهم الله- ذكر القلب وأنه أفضل من ذكر اللسان، قالوا: إن ذكر القلب يدل على حياة القلب، ويكون محرك له، ويثمر فيه المعرفة ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، أما ذكر اللسان المجرد فإنه قد لا يوجب شيء من ذك؛ لأن الإنسان قد يذكر ربه وهو غافل، فلا بد من حضور القلب.
عاشراً: ما هي موانع الحياء؟
الحياء له أضداد، وله موانع، هناك أمور تضعفه وتحطمه في نفوسنا، ومن الخطأ الكبير أن نجعل هذه الخصلة الفذة الشريفة عرضه لكل آسر وكاسر، من الخطأ أن نجعلها عرضة للصوص الأخلاق، ولدعاة الرذيلة، من الخطأ أن نجعلها عرضة لأن ينتشلها وأن يقتلعها من نفوسنا لصوص الأخلاق وشياطين الإنس والجن.
مما يضعف الحياء المعاصي بجميع أنواعها، فالذنوب تضعفه في القلب حتى ربما مات القلب بسبب هذه الذنوب، وانسلخ القلب من الحياء بالكلية، فلا يتأثر الإنسان بفعل القبيح، بل لربما تبجح به، وأخبر الناس عنه، وافتخر بما لا يليق.
إذا كان الإنسان مدمناً لمعاصي الله -عز وجل- معتاداً لها فإنه لا يرعوي، يفعل ذلك والناس يشاهدونه، ومثال ذلك انظر إلى حال المدخن مثلاً، تراه يوقد سيجارته ثم يبدأ يدخن أمام الآخرين بلا حياء، فهو لا يرى في ذلك غضاضة، بينما الآخر الذي ما اعتاد على هذه الخصلة السيئة لو أراد أن يفعلها فإنه يختفي، فما الذي يجعل هذا يختفي والآخر يتبجح؟
ومثل ذلك إذا أراد الإنسان أن يواقع ما لا يليق أو يسافر إلى بلاد عرفت بالفجور فإن من قل حياؤه وأدمن هذه الذنوب والمعاصي يسافر جهاراً نهاراً، ويخبر عن بطولاته وخيبته وممارساته الشنيعة في تلك البلاد، وأما الآخر فإنه يخفى ذلك غاية الإخفاء، ويشعر بالحرج الشديد إذا اطلع الناس على ذلك، فبين الذنوب وبين قلة الحياء ملازمة أكيدة.
مما يضعف الحياء ويخرمه سماع الأغاني كما قال يزيد بن الوليد -من خلفاء بني أمية-: "يا بني أمية، إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنا".
ومما يضعف الحياء التربية السيئة، إحدى النساء كتبت وهي كاتبة معروفة بقلة الحياء، وبالدعوة إلى التبرج والسفور، تقول: "ثم ماذا إذا اكتشفت أن ابنتي على علاقة بشاب تحادثه ويحادثها، وتخرج معه ويخرج معها"، تقول هذا في صحيفة وتكتبه باسمها الصريح، وهكذا تفعل التربية السيئة حيث يخرج الإنسان من ربقة الحياء.
ومن ذلك أيضاً كثرة مخالطة النساء للرجال، فالمرأة التي تعمل في مجال الرجال فتخالطهم، وتحضر معهم الاجتماعات، ولربما تطببهم، وما إلى ذلك، كل هذا يذهب ماء وجهها شيئاً فشيئاً، ثم تكون بعد ذلك مترجلة، ويذهب عنها الحياء شيئاً فشيئاً، حتى لا يبقى معها منه شيء، بل لربما أرادت أن تبدي لغيرها أنها امرأة لديها قدرة على الاندماج، ولديها قدرة على مداخلة الآخرين، ولديها قدرة على كسر التقاليد -كما يقال- وما علمت أن مخالطة النساء للرجال تكسر الشرف والخلق والدين والفضيلة.
هذه امرأة يقال لها: زينب زنت بعبدها وهي من أشراف العرب، فقيل لها: كيف زنيت بعبدك؟ فقالت: "طول الوساد، وكثرة السواد"، كثرة المخالطة مع طول المحادثة.
زنت بعبد تملكه، وقد كانت النساء في الجاهلية يأنفن من الزنا بالأحرار والشرفاء، فكيف بالأرقاء؟.
ومما يدمر الحياء ويضعفه مخالطة من قل حياؤهم أو إدمان النظر إليهم عبر المسلسلات والبرامج، والنظر إلى الصور، وما إلى ذلك مما يعرض علينا صباح مساء، فهذا إذا نظر فيه الشاب أو الفتاة مرة بعد مرة جرده من الفضيلة والحياء، وصار يريد أن يحاكي الآخرين بهذه الأخلاق الرذيلة التي يتحلون بها.
وأمر آخر مما يدمر الحياء: كثرة خروج المرأة من بيتها، المرأة يقول الله لها: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [(33) سورة الأحزاب]، والتبرج من البروج وهو الظهور والانكشاف، ومنه قيل للبرج ذلك؛ لأنه منكشف ظاهر.
فالمرأة التي تخرج من بيتها خروجها لون تبرج، وإنما مكان المرأة هو بيتها وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وفي القراءة الأخرى المتواترة: وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ أمر بالقرار وأمر بالوقار، وهما متلازمان، فوقار المرأة في قرارها، وذهاب ماء الوجه إنما يكون بكثرة خروجها.
((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان))(21): أي هم بها، فما أحوجنا إلى التنبه لهذا المعنى في وقت قد أجلب الشيطان علينا في هذا الزمان بخيله ورجله من دعاة خروج المرأة حيث يقولون ويكتبون ويتكلمون، ويخرجون في القنوات والإذاعات وفي الإنترنت وغير ذلك يدعون إلى خروج المرأة، وإلى تفعيل نصف المجتمع من أجل تحطيم المجتمع.
فالمرأة تقوم بدورها الريادي في تربية الجيل، وحفظ كيان الأسرة بالقرار في البيت، فيأتي الرجل الشريك الأخر، وقد وجد بيته مهيئاً، ووجد شريكه الأخر قد أرضع الصغير، وقام على المريض، وقد قام على حوائجه، وصنع ما يلزم.
وهذا الرجل يشارك في ميادين الحياة ويقوم بما يجب، ويعافس كثيراً ويكابد كثيراً من أجل تحصيل لقمة شريفة يقتات فيها هو وعياله، فيتربى جيل على الطهر والشرف والعفاف والفضيلة.
وأما إذا خرجت المرأة بدعوى أنها ليست بدجاجة، كما يقول الأمام العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- فإنهم يضطرون إلى دجاجات يحبسونها في البيت من سائق ومربية أو مربٍ وخادمة، وبعض من لا يعرف قدر التربية، يتركون تربية الأولاد للخدم والخادمات.
الحادي عشر: نماذج من الحياء:
النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء وصفه كما في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها(22).
ولما سألته امرأة كيف تتطهر من الحيض؟ قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((خذي فرصة من مسك -يعني فيها مسك- فتطهري بها)) ثم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استحيا فأعرض عنها، فكانت المرأة تسأل؛ لأنها لم تفهم، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سبحان الله، تطهري))، قالت عائشة –-رضي الله عنه-ا-: فاجتبذتها إليَّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم(23).
ومن النماذج الإمام البخاري صاحب الصحيح -رحمه الله-- كان شديد الحياء، دخل مرة على أحد شيوخه وهو محمد بن سلام، فلما خرج قال محمد بن سلام لمن حضره: "أترون البكر أشد حياء من هذا".
وهذا أنس يصف أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- بأنه كان إذا نام لبس تباناً، والتبان هو السراويل القصيرة إلى الركبة أو ما فوقها، يلبسه تحت الإزار كراهة أو خوفاً من أن تنكشف عورته وهو نائم.
وكان أبو موسى يقول: "إني لا أغتسل في البيت المظلم فأحني ظهري حياء من ربي" فأين الذين يتكشفون؟ وأين النساء اللاتي يتكشفن أمام ملايين الخلق عبر برامج هابطة ولا حول ولا قوة إلا بالله؟.
وهاذ ابن عباس لم يكن يدخل الحمام -وهو المكان الذي يغتسلون فيه- إلا وحده، وعليه ثوب صفيق، يعني متين، ويقول: "إني أستحي من الله أن يراني في الحمام متجرداً".
ودخل رجل على الإمام الحميدي -رحمه الله- وظن أنه أذن له ولم يأذن بعد، فنظر إليه فرأى طرفاً من فخذه فبكى، وقال: "والله لقد نظرتَ إلى موضع لم ينظره أحد منذ عقلت".
وخرج زيد بن ثابت -رضي الله عنه- في يوم الجمعة فوجد الناس قد خرجوا من الصلاة -تأخر لسبب أو لآخر- فدخل بيته واختفى، فلما سئل قال: "إنه لا يستحي من الناس من لا يستحي من الله!"
فأين الذي يقيم في بيته لا يحضر الجمعة ولا الجماعة؟ أين حياؤه من الله -عز وجل-؟ وأين حياؤه من جيرانه؟.
وهذا الأسود بن يزيد كان يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يخضر ويصفر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: "مالي لا أجزع، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه، مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير فيعفو عنه، فلا يزال مستحيياً منه".
وهذا محمد بن يحي لما وضعوه على السرير يغسلونه بعد موته قالت جارية له وهي مملوكه له: "خدمته ثلاثين سنة، وكنت أضع له الماء ليغتسل فما رأيت ساقه قط، وأنا ملك له" ما رأت ساقه وهي ملك له!!
وهذا أبو الهذيل يقول: "أدركنا أقواماً وإن أحدهم يستحي من الله في سواد الليل" يعني من التكشف.
وهذه امرأة معاصرة كتب عنها أحد الدعاة حينما أقيم مخيم طبي لعلاج أمراض العيون في بعض البلاد الشرقية -في بنغلاديش- فجاء رجل مسن وامرأة مسنة، جاءت وجاء زوجها وهما في غاية التردد والارتباك، لما أراد الطبيب أن يقترب منها فإذا بها تبكي وترتجف وتضطرب من الخوف، ظن الطبيب أنها تتألم من المرض، فسأل زوجها فقال الزوج وهو يغالب دموعه وهو رجل مسن: "إنها لا تبكي من الألم، بل تبكي لأنها ستضطر أن تكشف وجهها لرجل أجنبي" ويقول: "إنها لم تنم الليلة الماضية من القلق والارتباك، وكانت تعاتبني كثيراً أوَ ترضى أن أكشف وجهي؟ يقول: "وما قبلت أن تأتي هاهنا إلا بعد أن أقسمت لها الأيمان المغلظة أن هذه ضرورة، وأنه يجوز كشف ذلك للضرورة!! كل ذلك لأنها ستكشف وجهها، لن تكشف سؤتها، ولن تكشف فخذها ولا بطنها ولا ظهرها ولا سرتها، فلما أقترب منها الطبيب نفرت مرة أخرى، ثم قالت: هل أنت مسلم؟ قال: نعم، ثم قالت: إن كنت مسلماً فأسألك بالله ألا تهتك ستري، ثم بين لها أن ذلك يباح لها، ثم قالت: والله لولا اثنتان لأحببت أن أصبر على حالتي هذه: قراءة القرآن، وخدمتي لزوجي وأولاده". هذه امرأة مسنة في بنغلاديش، فكيف حال فتيات المسلمين اليوم، والله المستعان؟!.
من نماذج الحياء أن يطهر المسلم لسانه من الفحش ومعيب الألفاظ، ومن سوء الأدب، ومن تقلت الألفاظ النابية البذيئة من لسانه غير عابئ بموقعها وأثرها.
من الحياء أن يقتصد الإنسان في المجالس إذا جلس فيها في الحديث؛ لأن ذلك مظنة للزلل.
ومن الحياء أن يتوقى الإنسان ويتحاشى أن يؤثر عنه سوء في قول أو فعل أو حال، فيتلطخ عرضه.
من الحياء أن تحافظ المرأة المسلمة على كرامتها وحشمتها، وأن تراقب ربها، وتحفظ حق زوجها، وأن تبتعد عن مسالك الريبة والشبهة.
ومن الحياء أن نعرف لأصحاب الحقوق حقوقهم.
الثاني عشر: مظاهر لقلة الحياء:
من المظاهر المشينة التي تدل على قلة حياء أصحابها: المجاهرة بالمعاصي عموماً إما بالتدخين أو برفع صوت المعازف في السيارة عند إشارات المرور، وكذلك المجاهرة بسائر أنواع الذنوب والمعاصي.
ومن المظاهر: كثرة اللجاج والخصومة، وعقوق الوالدين، وقلة الأدب مع المربين والمصلحين، وأذية الناس، كأذية الجيران والأقارب وغيرهم، والتصرفات غير المسؤولة بالسيارات.
ومن مظاهر قلة الحياء أيضاً: المزاح المسف والتبذل، والتهتك التعري، تبرج النساء ومزاحمة الرجال في الأسواق والأماكن العامة، والمعاكسات، وتقليد الكفار في مستهجن عاداتهم، والكتابات البذيئة على الجدران والأماكن العامة، ورسائل الجوال المخلة بالأدب، ونغمات الجوال الموسيقية.
ومنها أيضاً: ما يجري في الكوافير والمشاغل النسائية من أمور يندى لها الجبين من كشف السوءات، وهتك العورات، والتخلي عن الحياء والفضيلة، مع أن النبي –صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من امرأة تضع أثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها))(24).
ومن مظاهر قلة الحياء: لباس النساء في الأعراس ولبس العباءات الفاتنة والنقاب المخل بالحشمة، ومضاحكة الرجال الأجانب، والخضوع بالقول معهم، واتصال النساء المباشر على البرامج المباشرة، وطرح الأسئلة الجريئة، وكذلك خروج النساء للمطاعم ومقاهي الإنترنت، والكوفي شوب وغير ذلك، وما بعض سيدات الأعمال عنا ببعيد، حينما يخرجن على مرأى الرجال وينقل ذلك على صفحات الصحف الأولى، وقد خرجن متهتكات مبديات لشعورهن ووجوههن، فهؤلاء لا يمثلن المرأة المسلمة العفيفة الشريفة.
ومن مظاهر قلة الحياء كذلك ما يفعله بعض الشباب من التأنث والتهتك، وما تفعله بعض النساء عند البيع والشراء من أعطاء البائع ليقيس عليها الذهب، وكذلك وإخراج يدها له ليعطرها، وكذلك قد تسأل ذلك البائع عن هذا الفستان هل هو ملائم لها أو نحو ذلك، ولربما أخذ مقاس العباءة أو الثوب عليها من مقدمها ومؤخرها، ولربما تكلمت معه بشيء من الغنج وطالبته أن يضع من السعر من أجل خاطرها، ومن أجل نفسها ومن أجلها، وتتبادل الأرقام بينها وبين البائع ليزودها أولاً بأول بآخر الصرعات والعروضات والموضات والموديلات!!
ومن مظاهر قلة الحياء عند النساء خاصة: أن تأتي المرأة مدخلة لأنفها فيما لا يعنيها حينما ترى رجال الهيئة الأبرار وهم يتحاورون مع بعض الشباب فتسأل عن هذا وتشفع له وهو لا يمت لها بصلة، ولربما نزلت من السيارة تشفع لسائقها وتقول: من أجلي هذه المرة.
وقد زودني بعض رجال الهيئة الفضلاء -جزاهم الله خيراً- بألوان مما يشاهدونه مما يندى له الجبين، وبعضه استحي من ذكره.
ومن مظاهر قلة الحياء أيضاً: مشي المرأة في وسط الطريق، ولربما -وهي الموضة الحديثة- وضعت يدها بيد زوجها، وهي تمشي، ولربما وضع يده من خلفها إلى خصرها، وهو يمشي معها، وهذه آخر الصرعات الآن، ولا أدري من الذي يرسم لهم هذه الألوان من قلة الحياء؟
ربما كانت الدعايات على صفحات المجلات والصحف، سواء دعايات السيارات أو دعايات الخيام أو دعايات أخرى، حيث تعرض المرأة كاشفة لوجهها وعليها عباءة مخصرة، تتسوق وقد أخذ بيدها، أو وضع يده من وراء ظهرها!
ومن المظاهر أيضاً: الخلوة مع الطبيب والتكشف للطبيب من غير حاجة، مع أنه يوجد نساء طبيبات، بل ربما جلس الزوج في الخارج ينتظر ماذا يتمحض عنه هذا اللقاء بين زوجته وبين هذا الطبيب، وكأن هذا الزوج قد نزعت منه الرجولة والفحولة والمروءة والأخلاق.
ومن المظاهر ما كتبته أحداهن في إحدى الصحف المأجورة تتحدث عن سائقات ومفحطات على شاطئ نصف القمر، وتقول إحدى النساء: إنها تقربع، ولا أدري ماذا تقربع على شاطئ نصف القمر؟ فنحن لا نعرف القرابيع على شاطئ نصف القمر.
ويتحدثون أيضاً عن القنص على شاطئ نصف القمر، ولا أدري هل هو قنص القلوب أو هو قنص الصيود؟ ولا نعرف الصيود على شاطئ نصف القمر، فهؤلاء يدعون إلى تهتك المرأة وخروجها، وخلع جلباب حيائها.
ومن ذلك ما تطالعنا به بعض القنوات في هذه الأيام في الوقت الذي يمزق فيه الإسلام وأهله في كل مكان، وتستحل ثروات الأمة ومقدراتها، وتهدر دماء المسلمين في أراضي كثيرة، فنفاجئ بانحطاط جديد يخترعه الفرنسيون، ثم يأتي من يزعمون أنهم من العرب أو من المسلمين ليستنسخوا هذا الانحطاط ويطبقونه على أولادنا وفتياتنا، ويجعلون عالمنا مشدوداً بأخر التقليعات الساقطة، والمنكر الفاضح، ومبارزة الله -عز وجل- في المعاصي، فعلى الهواء مباشرة ببث حي مباشر لمجموعة من الضحايا من الشباب والفتيات الذين يتنافسون على المنكر، وعلى ما يسخط الله -تبارك وتعالى-، فأكثرهم إبداعاً هو أكثرهم إجادة للرقص والتهتك، فيكون فائزاً بالدرجات العالية، فأكثرهم ظهوراً وبروزاً هو أكثرهم إبداء لحميمية الصداقة واللطافة مع هؤلاء الفتيات، ومن يجيد العزف والغناء، فهذا هو الفائز.
من ترشح اليوم؟ من يكون الفائز في هذه الرقصة؟ وأنتِ أيتها الفتاة من ترشحين من الشباب ليكون الفائز عندك؟ ومن هو الشاب الذي دخل قلبك وتتمنين أن تقضين أوقات دافئة معه؟ ساعدي هذا الشاب وأنت ساعد هذه الفتاة التي أعجبت بقوامها واتصل واعطها صوتك، فالقائمون على تلك القناة يسحقون الفضيلة والأخلاق بفعلهم هذا علانية في نفوس الأمة، وهكذا تمزق الفضيلة، وينحر الحياء من الوريد إلى الوريد!.
إحصائيات:
صدرت إحصائيات كثيرة تدل على أعداد المصوتين لهذه البرامج الفاضحة الساقطة بأرقام خيالية:
في مصر: ثلاث وعشرون مليوناً ومائة وخمس وسبعون ألف اتصالٍ.
في لبنان: ثمانية عشر مليوناً وخمس مائة وست وثلاثون ألف اتصال.
في الكويت: ثلاث مائة ألف اتصال.
الإمارات: مليون ومائتان وواحد وعشرون اتصالاً.
اليمن: سبعة الآلف اتصال.
سوريا: ستة عشر مليوناً وتسع مائة ألف وثلاث وثلاثون اتصالاً.
في الأردن: ثمانية ملايين وثمانية وسبعون ألف اتصال، وهكذا...
فأقول: بينما الأصوات التي صوتت ضد الحرب في أفغانستان كانت لا تتجاوز ثلاثة ملايين صوت.
هذا البرنامج يصور لأربع وعشرين ساعة لحياة من التهتك بين شباب وفتيات يفعلون ما لا يليق ويلبسون ما لا يليق، ويتراقصون ويتضاحكون، ويفعلون ما يخدش الحياء والفضيلة، ويتلقفهم ملايين البشر ينظرون إليهم، ويراقبون نومهم ويقظتهم، وأكلهم وقبلاتهم، ثم بعد ذلك يؤثر ذلك تأثيراً عظيماً.
ومن مظاهر قلة الحياء المنتشرة في مدارسنا بين بعض فتيات المسلمين أن تسمع بعض الفتيات تقول: ميرة زعلانة، ميرة صدرها فيه ضيق على فلان، ميرة ما تحبه وهو مجنون فيها عليها، وأخرى تصف آخر من هؤلاء فتقول: فلان وفلانة ما يحبون بعض.
وأخرى تتكلم عن ما يجري هناك وأن زميلتها الطالبة في الثانوية كانت تعطيها بعض الأرقام لبعض الشبان فكانت تستحيي وتتحرج، فقالت لها: ما عليك إلا أن تشاهدي ثلاث حلقات من هذا البرنامج، ثم بعد ذلك تعرفين أنك منطوية، وأنك منكفئة على الذات، وأنك متخلفة، وأنك رجعية، وأنك مريضة.
تقول: شاهدت بعض هذه المشاهد واللقطات فصرت طوال اليوم في المدرسة ارتقب متى أخرج إلى البيت لمتابعة البرنامج، وصرت أتمنى أني في أحضان أحد هؤلاء الشباب الوسيمين الذين ظهروا في هذا البرنامج، وبدأت أبحث عن شاب أكون علاقة معه.
أقول: هذا للأسف الشديد يعرض على فتياتنا، فأين أهل المروءة والشرف والكرم؟ بنات المسلمين يشاهدن هذه الصور ثم يقلن مثل هذا الكلام، فماذا أنتم فاعلون؟!!
إن الوقت الذي نجد فيه تهديداً للنفوس والأموال نجد تهديداً للدين والفضيلة والأخلاق والعفاف والشرف، إنها قضايا تتعلق بالضرورات الخمس، وهي ليست قابلة للعبث واللعب والتدمير والتخريب.
الثالث عشر: ما يتعلق بثمرات الحياء:
إن الحياء يزجر صاحبه عن المعصية ومقارفة ما لا يليق، وبغياب الحياء تتدمر الأخلاق وترتكب الفواحش والوبقات، وفي الحديث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت))(25).
إذا لم تخشَ عاقبة الليالي***ولم تستحِ فاصنع ما تشاءُ
فلا والله ما في العيش خير***ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيش المرء ما استحيا بخير***ويبقى العود ما بقي اللحاءُ
فلا والله ما في العيش خير***ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيش المرء ما استحيا بخير***ويبقى العود ما بقي اللحاءُ
ومن ثمرات الحياء كذلك ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: ((الحياء لا يأتي إلا بخير))(26)، ((ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه))(27).
والحياء كذلك يورث دوام المراقبة لله -تبارك وتعالى- ويورث البعد رفعة كما قال الحسن: "الحياء والتكرم خصلتان من خصال الخير لم يكونا في عبد إلا رفعه الله بهما".
ومن ثمراته: تحصيل محبة الله -عز وجل-، فالله حيي ستير، يحب أهل الحياء، كما أن الحياء يورث حياة القلب، ويؤثر في حجم المخالفة والمعصية، فشتان بين من يفعل المعصية وهو متبجح من غير حياء وبين من يفعل المعصية وهو مستحٍ من الله -تبارك وتعالى-.
أسال الله -عز وجل- أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يلهمنا وإياكم رشدنا، وأن يكفينا شر أنفسنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
والحياء كذلك يورث دوام المراقبة لله -تبارك وتعالى- ويورث البعد رفعة كما قال الحسن: "الحياء والتكرم خصلتان من خصال الخير لم يكونا في عبد إلا رفعه الله بهما".
ومن ثمراته: تحصيل محبة الله -عز وجل-، فالله حيي ستير، يحب أهل الحياء، كما أن الحياء يورث حياة القلب، ويؤثر في حجم المخالفة والمعصية، فشتان بين من يفعل المعصية وهو متبجح من غير حياء وبين من يفعل المعصية وهو مستحٍ من الله -تبارك وتعالى-.
أسال الله -عز وجل- أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يلهمنا وإياكم رشدنا، وأن يكفينا شر أنفسنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
____________________________
1- أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة - باب ما جاء في الحياء (2009) (ج 4 / ص 365) وابن ماجه في كتاب الزهد، باب الحياء (4184) (ج 2 / ص 1400) وأحمد (10519) (ج 2 / ص 501) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم: (3373).
2- أخرجه البخاري في الأدب المفرد (584) (ج 1 / ص 205) وابن ماجه في كتاب الزهد باب الحلم (4188) (ج 22 / ص 1401) واحمد في مسنده برقم (17862) (ج 4 / ص 205) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3376).
3- أخرجه البخاري كتاب الجنائز - باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1293) (ج 1 / ص 4566) ومسلم في كتاب القدر - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (2658) (ج 4 / ص 2047).
4- أخرجه البخاري في كتاب الإيمان - باب الحياء من الإيمان (24) (ج 1 / ص 17).
5- أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1313) (ج 1 / ص 445) والحاكم في المستدرك (58) (ج 1 / ص 733) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (3200).
6- أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة باب ما جاء في العي (2027) (ج 4 / ص 375) وأحمد (22366) (ج 55 / ص 269) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2629).
7- سبق تخريجه.
8- أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب أمور الإيمان (9) (ج 1 / ص 122) ومسلم في كتاب الإيمان – باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان (35) (ج 1 / ص 62).
9- أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد - باب الحياء (4181) (ج 2 / ص 13999) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (940).
10- سبق تخريجه.
11- أخرجه أبو داود في كتاب سجود القرآن - باب الدعاء (1488) (ج 1 / ص 4688) والترمذي في كتاب الدعوات – باب (3556) (ج 5 / ص 556) وابن ماجه في كتاب الدعاء - باب رفع اليدين في الدعاء (3865) (ج 22 / ص 1271) وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1320).
12- أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (2401) (ج 44 / ص 1866).
13- أخرجه البخاري في كتاب العلم باب الحياء في العلم (130) (ج 1 / ص 600) ومسلم في كتاب الحيض باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (313) (ج 1 / ص 251).
14- أخرجه البخاري تعليقاً مختصراً بلفظ-: ((الله أحق أن يستحيا منه من الناس)) - انظر صحيح البخاري - كتاب الغسل - باب من اغتسل عرياناً وحده في الخلوة ومن تستر فالتستر أفضل (ج 1 / ص 1077) وأخرجه أبو داود في كتاب الحمام باب ما جاء في التعري (4017) (ج 2 / ص 437) والترمذي في كتاب الأدب - باب ما جاء في حفظ العورة (2769) (ج 5 / ص 97) وابن ماجه في كتاب النكاح - باب التستر عند الجماع (1920) (ج 61 / ص 618) وأحمد (ج 41 / ص 3 – 19181) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (203).
15- أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (ج 16 / ص 229 – 7479) وأبو يعلى في مسنده (6947) (ج 122 / ص 379) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2541).
16- سيأتي تخريجه قريباً.
17- أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب 24- (24588) (ج 4 / ص 637) والطبراني في الصغير (494) (ج 1 / ص 298) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (935).
18- أخرجه البخاري في كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار (6197) (ج 5 / ص 24011) ومسلم في كتاب الإيمان - باب أدني أهل الجنة منزلة فيها (193) (ج 1 / ص 180).
19- أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب فضل صلاة العصر (530) (ج 1 / ص 2033) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما (632) (ج 1 / ص 439).
20- أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (2663) 0ج 3 / ص 1188) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2328).
21- أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع – باب 18 (1173) (ج 3 / ص 4766) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6690).
22- أخرجه البخاري في كتاب المناقب – باب صفة النبي –صلى الله عليه وسلم- (3369) (ج 3 / ص 13066) ومسلم في كتاب الفضائل - باب كثرة حيائه -صلى الله عليه وسلم- (2320) (ج 4 / ص 1809).
23- أخرجه البخاري في كتاب الحيض - باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع أثر الدم (308) (ج 1 / ص 119).
24- أخرجه أبو داود في كتاب الحمام – بابب -1 (4010) (ج 2 / ص 4355) والترمذي في كتاب الأدب – باب ما جاء في دخول الحمام (2803) (ج 5 / ص 114) واللفظ له وابن ماجه في كتاب الأدب – باب دخول الحمام (37500) (ج 2 / ص 1234) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (170).
25- أخرجه البخاري في كتاب الأدب - باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت (5769) (ج 5 / ص 2268).
26- أخرجه البخاري في كتاب الأدب - باب الحياء (5766) (ج 5 / ص 22677) ومسلم في كتاب الإيمان - باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان (37) (ج 1 / ص 64).
27- أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة - باب ما جاء في الفحش والتفحش (1974) (ج 4 / ص 3499) وابن ماجه في كتاب الزهد - باب الحياء (4185) (ج 2 / ص 1400) وأحمد (12712) (ج 3 / ص 1655) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (5655).
2- أخرجه البخاري في الأدب المفرد (584) (ج 1 / ص 205) وابن ماجه في كتاب الزهد باب الحلم (4188) (ج 22 / ص 1401) واحمد في مسنده برقم (17862) (ج 4 / ص 205) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3376).
3- أخرجه البخاري كتاب الجنائز - باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1293) (ج 1 / ص 4566) ومسلم في كتاب القدر - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (2658) (ج 4 / ص 2047).
4- أخرجه البخاري في كتاب الإيمان - باب الحياء من الإيمان (24) (ج 1 / ص 17).
5- أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1313) (ج 1 / ص 445) والحاكم في المستدرك (58) (ج 1 / ص 733) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (3200).
6- أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة باب ما جاء في العي (2027) (ج 4 / ص 375) وأحمد (22366) (ج 55 / ص 269) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2629).
7- سبق تخريجه.
8- أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب أمور الإيمان (9) (ج 1 / ص 122) ومسلم في كتاب الإيمان – باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان (35) (ج 1 / ص 62).
9- أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد - باب الحياء (4181) (ج 2 / ص 13999) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (940).
10- سبق تخريجه.
11- أخرجه أبو داود في كتاب سجود القرآن - باب الدعاء (1488) (ج 1 / ص 4688) والترمذي في كتاب الدعوات – باب (3556) (ج 5 / ص 556) وابن ماجه في كتاب الدعاء - باب رفع اليدين في الدعاء (3865) (ج 22 / ص 1271) وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1320).
12- أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (2401) (ج 44 / ص 1866).
13- أخرجه البخاري في كتاب العلم باب الحياء في العلم (130) (ج 1 / ص 600) ومسلم في كتاب الحيض باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (313) (ج 1 / ص 251).
14- أخرجه البخاري تعليقاً مختصراً بلفظ-: ((الله أحق أن يستحيا منه من الناس)) - انظر صحيح البخاري - كتاب الغسل - باب من اغتسل عرياناً وحده في الخلوة ومن تستر فالتستر أفضل (ج 1 / ص 1077) وأخرجه أبو داود في كتاب الحمام باب ما جاء في التعري (4017) (ج 2 / ص 437) والترمذي في كتاب الأدب - باب ما جاء في حفظ العورة (2769) (ج 5 / ص 97) وابن ماجه في كتاب النكاح - باب التستر عند الجماع (1920) (ج 61 / ص 618) وأحمد (ج 41 / ص 3 – 19181) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (203).
15- أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (ج 16 / ص 229 – 7479) وأبو يعلى في مسنده (6947) (ج 122 / ص 379) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2541).
16- سيأتي تخريجه قريباً.
17- أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب 24- (24588) (ج 4 / ص 637) والطبراني في الصغير (494) (ج 1 / ص 298) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (935).
18- أخرجه البخاري في كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار (6197) (ج 5 / ص 24011) ومسلم في كتاب الإيمان - باب أدني أهل الجنة منزلة فيها (193) (ج 1 / ص 180).
19- أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب فضل صلاة العصر (530) (ج 1 / ص 2033) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما (632) (ج 1 / ص 439).
20- أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (2663) 0ج 3 / ص 1188) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2328).
21- أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع – باب 18 (1173) (ج 3 / ص 4766) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6690).
22- أخرجه البخاري في كتاب المناقب – باب صفة النبي –صلى الله عليه وسلم- (3369) (ج 3 / ص 13066) ومسلم في كتاب الفضائل - باب كثرة حيائه -صلى الله عليه وسلم- (2320) (ج 4 / ص 1809).
23- أخرجه البخاري في كتاب الحيض - باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع أثر الدم (308) (ج 1 / ص 119).
24- أخرجه أبو داود في كتاب الحمام – بابب -1 (4010) (ج 2 / ص 4355) والترمذي في كتاب الأدب – باب ما جاء في دخول الحمام (2803) (ج 5 / ص 114) واللفظ له وابن ماجه في كتاب الأدب – باب دخول الحمام (37500) (ج 2 / ص 1234) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (170).
25- أخرجه البخاري في كتاب الأدب - باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت (5769) (ج 5 / ص 2268).
26- أخرجه البخاري في كتاب الأدب - باب الحياء (5766) (ج 5 / ص 22677) ومسلم في كتاب الإيمان - باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان (37) (ج 1 / ص 64).
27- أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة - باب ما جاء في الفحش والتفحش (1974) (ج 4 / ص 3499) وابن ماجه في كتاب الزهد - باب الحياء (4185) (ج 2 / ص 1400) وأحمد (12712) (ج 3 / ص 1655) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (5655).
No comments:
Post a Comment