الله، الحمد لله، والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين،سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد:- فإن الحياة نعمة عظيمة وهدية جميلة من الله، الحياة هي كل لحظة يعيشها الإنسان من ولادته إلي وفاته، هذه هي الحياة..
إذن السؤال هو .. لماذا بعض الناس يعيش حياته في بهجة وسرور، والبعض الآخر يعيش في قلق وحزن؟.. لماذا البعض فرحان طوال حياته، والبعض حزين؟.. لماذا البعض دائما في حالة الرضا والطمانينة والسكينة، والبعض الآخر في حالة اليأس والخوف والتوتر؟ …لماذا؟.. هل سألت نفسك هذا السؤال؟.. وهل فكرت فيها؟..
فهاك الجواب، قال الله تعالي: {فمن اتّبع هداي فلا يضل ولا يشقى *ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضكا ونحشره يوم القيامة أعمي}، هذه الإجابة الكافية ، كل من تمسك بالدين واتبع شرع الله يعيش بالحياة السعيدة في الدنيا قبل الآخرة ، حتي ولوكان فقيرا… وكل من تخلي عن الدين وضيع شرع الله يعيش بالحياة الضنكة في الدنيا قبل الآخرة ، ولوكان غنيا مليارديرا لن يجد السعادة الحقيقية ، قد يستمتع بالمال ظاهرا لكن في داخله لن يجد السعادة أبدا ، هذا هو السر إلهي ..
إنه الحياة مع الله، ووالله لن تعيش في هذه الدنيا مطمئنا البال وأنت بعيد عن الله، ولن تجد السعادة والنجاح في حياتك العلمية والعملية وأنت بعيد عن الله، تلك هي الحقيقة المجربة وأنظر حال البعيديين عن الله ولو كانوا أغنياء تجدهم أشقي الناس ، قهرهم التعب والهم والمرض ، ولهذا إبتسامة الفقير تخبرنا بأن السعادة والحياة الجميلة ليست كلها بالمال، وليس هذا تقليل شأن المال ، بل إن المال الصالح لرجل الصالح من أعظم النعم كما أخبر حبيبنا صلّ الله عليه وسلم “نعم المال الصالح للرجل الصالح” فليس المال مذموما علي الإطلاق بل هو من السعادة إذا كسبت من الحلال، وصرفت في وجوه الخير،عندها تعيش وأنت سيد المال لا عبد المال وستشعر لذة الحياة والإنفاق…
مفهوم الحياة مع الله:
وهي أن تفعل كل شيء لأجل الله، أن تكون أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك كلها لله ، كما قال تعالي {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} ..ومحياي أي حياتي كلها لله، ولهذا قيل إذا أردتَّ أن لا تندم علي شيء افعل كل شيء لوجه الله، وليس الحياة مع الله صعبة كما يظن بعض الناس بل هي سهلة ، فقط إستحضر النية عندما تقوم أي عمل سواء كان وظيفة أو دراسة أو رياضة ستأخذ الأجر وستجد لذة الحياة مع الله،سبحان الله! أتأخذ الأجركل شيء؟ ! نعم.. حتي اللقمة التي يضعها الرجل في فم زوجته يؤجر عليه ،لأن العبادة في الإسلام ليست محصورة بالمساجد بل هي تشمل جميع جوانبالحياة، والعبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، إذن إفعل الخير.. واعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وصل رحمك وقرابتك ، وخالق الناس بخلق حسن، وصل الصلاة علي وقتها ولا تنسي صلاة الضحي ، فإنها صلاة الأوابين ، وصم ثلاثة أيام من كل شهر لأن الصوم جنة، وأوتر قبل أن تنام فإن الله وتر يحب الوتر، وحقق تقوى الله فإنها سر السعادة . وصدق الشاعر حين قال: وبحثت عن سر السعادة جاهدا- فوجدت هذا السر في تقواك، فليرضى عني الناس أو فليسخطوا- أنا لم أعد أسعى لغير رضاك. أي والله تلك هي الحياة السعيدة بمعني الكلمة.
صورتان من حياة مع الله:
الأولي:- عندما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه إلى المدينة ، بدأت قريش أن تبحث عن النبي عليه الصلاة والسلام حيا أوميتا، أخيرا…اكتشفوا الطريق الذي سار فيه الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه، وسلكوا فيه حتي وصلوا إلى الجبل الذي كان فيه غار الثور، ولم يبق إلا أن ينظروا داخل الغار الذي كان فيه النبي وصاحبه، فقال أبوبكر رضي الله عنه للنبي: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ماظنك يا أبابكر بإثنين الله ثالثهما؟؟ الله أكبر!إذا كان الله الذي بيده ملكوت كل شيء معك فمن عليك ؟.. موقف صعب ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام في سكينة تامة بلا قلق ولا توتر، إنها العلاقة القوية مع الله عز وجل.
الثانية:- الإمام ابن تيمية رحمه الله يقول بكلمات تستحق أن يكتب بماء الذهب قال: “مايصنع أعدائي بي؟ جنتي وبستاني في صدري ،إن رحت فهي معي لاتفارقني، إنَّ حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة”، كلمات في غاية العزة والرفعة ، إنها الحياة مع الله التي تجعل الإنسان هادئا ومطمئنا مهما كانت الظروف والأحوال ، وصدق الشاعر حينما قال: حالات الزمان عليك شتى- وحالك واحد في كل حال.
لذا قد يصيب بعض الناس الخوف والقلق من المستقبل، بمجرد المستقبل!! مثلا هل سأجد العمل أم لا؟ هل سأنجح في الإمتحانات أم لا؟ هل هل؟؟ فيضيع حياته بالقلق والخوف من المستقبل المجهول، ولهذا أترك المستقبل حتي يأتي لأنك إذا أصلحت حاضرك سيصلح مستقبلك إن شاء الله..عش حياتك بالطاعة لتعيش إلي الأبد، لأن الحياة في هذه الدنيا مؤقتة، وهي مزرعة للآخرة ، أما الحياة الآخرة هي الحياة الأبدية التي لانهاية لها ، ولن تجد الحياة الأبدية إلا إذا عشت في الدنيا مع الله ، ولهذا قيل “إن في الدنيا جنة من لم يدخلها ، لم يدخل جنة الآخرة” .. الجنة في الدنيا هي ذكرالله … الجنة في الدنيا هي الإستقامة … الجنة في الدنيا هي الحياة مع الله.
No comments:
Post a Comment