Thursday, April 04, 2024

حب الرسول صلى الله عليه و سلم

حب الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة الموضوعات المصدر: الحب في السنة وأثره في حياة الأمة المؤلف: غازي محمود الشمري الناشر: دار المقتبس الطبعة: 1 / 2018 - 1439 هـ الصفحة: 49 - 66 عدد الزيارات: 4233 شارك غرّد أرسل حب الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة كتب الدكتور غازي محمود الشمري حول هذا الموضوع في كتابه ( الحب في السنة وأثره في حياة الأمة) والصادر عن دار المقتبس سنة (1439هـ - 2018م) فقال: أولًا ـ حب الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ حبَّ الله تعالى لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، لا يعلم قدره إلا هو سبحانه، وحسبنا أن نقرأ خطاب الله تعالى له: ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾[الطور: 48]. فلـه من المآثر الرفيعـة ما ليس لغيرِه من إخوانـه الأنبياء والمرسلين، عليه وعليهم أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم، مما يـدل علـى عظيـم محبـة الله تعالى لـه، كعموم رسالته الثقلين، وشمولها بين الخافقين، وأنـه خاتم النبيين، وهو صاحب الوسيلة والفضيلـة، والمقام المحمـود، والشفاعـة الكبـرى، والحـوض المورود، وأنه صلى الله عليه وسلم خليلُ اللهِ تعالى، وغيرِها ([1])، وحسبنا أن نذكر شيئًا من هذه المآثر: 1 ـ قرن اسمه تعالى باسمه صلى الله عليه وسلم في الشهادة: قال الله تعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴾[الضحى: 5]. فلا يُقبل إسلامُ مسلم إلَّا أن يشهد ألَّا إله إلَّا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله. وهو الركن الأول من أركان الإسلام. فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»([2]). قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: وضَمَّ الإلهُ اسْمَ النبيِّ إلى اسْمِهِ إذ قالَ في الخَمْسِ المؤذِّنُ أَشْهَدُ وشَقَّ له من اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذو العَرشِ محمودٌ وهذا محمَّدُ 2 ـ أعطاهُ اللهُ تعالى ما لم يُعطِ غيرَه من الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام: عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ»([3]). 3 ـ جعله اللهُ تعالى سيّدَ الخَلْق: وهو أولَ من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأولَ شافِع ومشَّفَع: عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ»([4]). 4 ـ أعطاه اللهُ تعالى الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ والمَقَام المحمود: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْـمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ»([5]). وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللهمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([6]). معنى المقام المحمود: قال ابن حجر: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الُمرَاد بِهِ الشَّفَاعَة([7]). وهو قولُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، حيث قال: إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا([8])، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ الله الْـمَقَامَ الْـمَحْمُودَ([9]). وبشفاعته صلى الله عليه وسلم، يخرج أناس قد دخلوا جهنم، ويدخلون الجنة: عن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يخرُجُ قومٌ من النارِ بشفاعةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فيدخلون الجنَّةَ يُسمَّون الجَهَنَّميِّين»([10]). 5 ـ أعطاه اللهُ تعالى المحبَّة والخُلَّة: أمَّا المحبة: قال القاضي عياض: جاءت بذلك الآثارُ الصحيحةُ، واخْتُصَّ على ألسنة المسلمين بحبيبِ اللهِ([11](. أمَّا الخُلَّـة: قال ابـن القيِّم: «وأما الخلـة فتوحيد المحبـة، فالخليل هـو الذي توحَّدَ حُبُّه لمحبوبه، وهي رتبةٌ لا تقبل المشاركة، ولهذا اخْتُصَّ بها في العالَمِ الخليلانِ إبراهيمُ ومحمدٌ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهما، كما قال اللهُ تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾[النساء: 125]. وصحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ اللهَ اتخذني خليلاً كما اتخذَ إبراهيم خليلاً»([12]). وقال الإمام النووي: «قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: الْخَلِيل، مَعْنَاهُ المحِبّ الْكَامِل المحَبَّة، وَالمحْبُوب الموَفِّي بِحَقِيقَةِ المحَبَّة، اللَّذَانِ لَيْسَ فِي حُبّهمَا نَقْص وَلَا خَلَل» ([13]). وقد اتخذَ اللهُ تعالى نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم خليلًا. عن عَبْد الله بْن مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا»([14]). قال القاضي عياض: «واختلف العلماءُ أربابُ القلوبِ أيهما أرفعُ درجةً: درجةُ الخُلَّة أو درجةُ المحبة؟ فجعلهما بعضهم سواءً؛ فلا يكون الحبيبُ إلا خليلًا، ولا الخليلُ إلا حبيبًا، لكنه خصَّ إبراهيمَ بالخُلَّةِ، ومحمدًا بالمحبةُ..»([15]). وقال: مزيَّـةُ الخُلَّـةِ، وَخُصُوصِيَّـةُ الْـمَحَبـَّةِ حَاصِلَـةٌ لِنَبِيّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ الصَّحِيحَة المنتشرة الْـمُتَلَقَّاةُ بِالْقَبُولِ مِنَ الْأُمَّةِ وَكَفَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾[آل عمران: 31]... وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَام أَبُو بَكْرِ بن فُورَك عَنْ بَعْض الْـمُتَكَلّمِينَ كَلامًا فِي الْـفَرْقِ بَيْنَ الْـمَحَبَّةَ وَالْـخُلَّةِ يَطُولُ، جُمْلَةُ إشاراته إِلَى تَفْضِيلِ مَقَامِ الْـمَحَبَّةَ عَلَى الْـخُلَّةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهُ طَرَفاً يَهْدِي إِلَى مَا بَعْدَهُ، فَمْن ذَلِكَ قَوْلـَهُمُ: الْـخَلِيلُ يَصِلُ بِالْـوَاسِطَةِ من قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾[الأنعام: 75] والْـحَبِيبُ يَصلُ إليْهِ بِهِ من قَوْلِهِ: ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴾[النجم: 9]([16]). قلت: وأيُّ صفةٍ اخْتُصَّ بها سيِّدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم هي الأرفـع درجـةً؛ لثبـوت عُلُوِّ درجته على جميع الأنبياء، عليه وعليهم أزكى الصلاة والسلام. ويمكن القول أيضًا، بأنه صلى الله عليه وسلم خليلُ الله تعالى في أعلى درجات الخُلَّة؛ وحبيبُهُ تعالى في أعلى درجات المحبَّة. 6 ـ أكثر الأَنْبِيَاءِ تصديقًا وتبعًا وأَوَّلُ مَنْ يدخل الجنَّة: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِـنَ الأَنْبِيَـاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُـهُ مِنْ أُمَّتِـهِ إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ»([17]). ولما كان صلى الله عليه وسلم أكثرَ الناس تصديقًا؛ كان أكثرَهم تبعًا، وهو أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّة»([18]). فخازنُ الجنـة ينتظر سيّدَ الخَلـق صلى الله عليه وسلم؛ ليفتحَ لـه بـاب الجنـة كما أمره الله سبحانه، وهو صلى الله عليه وسلم أوَّلُ داخليها، وصاحبُ أعلى مقامٍ فيها. عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُـولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُـولُ: بِـكَ أُمِـرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ»([19]). 7 ـ أمته صلى الله عليه وسلم أولُ الأمم دخولًا الجنة: وبه صلى الله عليه وسلم تدخل أمته الجنة أول الأمم، بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللهُ لَهُ ـ قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ ـ فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى»([20]). 8 ـ صلاةُ اللهِ تعالى والملائكةوالمؤمنين عليه صلى الله عليه وسلم: قال تعالـى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب: 56]. إنَّ هذه الآية الكريمة اشتملت على الخبر أولًا، والأمر ثانيًا. أمَّا الخبر، فانَّ الله تعالى أخبر عباده في هذه الآية الكريمة، بمنزلة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عنده في الملأ الأعلى، بأنه يصلِّي عليه عند المقرَّبين هناك، وأنَّ الملائكة كلهم يصلون عليه، وما ذاك إلَّا لفضله صلى الله عليه وسلم عند ربه، وعلوِّ مقامه وشرف قدره في الملأ الأعلى. ثمَّ أمـر سبحانه أهل العالم الأدنى بالصلاة عليـه، وذلك ليجتمع له الثناء والتكريم والتعظيم من أهل العالَمَيْن([21]). وهذا شاهد لمحبة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ([22]). ثانيًا ـ حب الله تعالى للصحابة رضي الله تعالى عنهم: إذا كان رضا اللهِ سبحانـه وتعالى ومدحـه دليلًا على المحبـة، ومظهرًا من مظاهرها؛ فقد امتدح اللهُ تعالى الصحابـة الكرام رضي الله عنهم في مواقـع كثيرة من كتابه العزيز: قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾[التوبة: 100]. وقال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿٨﴾ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[الحشر: 8 ـ 9]. وقال تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[المُجَادِلة: 22]. وقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾[الفتح: 29]. وقال تعالى: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾[الأحزاب: 23]. لقد رأينا في الآيات الكريمات، كيف أن اللهَ سبحانه وتعالى رضي عن الصحابة الكرام، ووعدهم بالجنان، ومدحهم، فوصفهم بأنهم صادقون، رحماء بينهم، مؤثرون على أنفسهم، مخلصون، ثابتون على العهد. وما هذا إلا دليل محبته تعالى لهم، فالآيات تفوح برائحة الحب لهم، رضي الله تعالى عنهم. ومحبة الله تعالى للصحابة في السنة الشريفة تجلَّت في أمور كثيرة، أذكر منها: 1 ـ حُبُّ اللهِ تعالى للصحابة عامة رضي الله تعالى عنهم: لقد بشَّر اللهُ سبحانه وتعالى الصحابةَ الكرام رضي الله تعالى عنهم، بجنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ، وأن يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِـهِمْ؛ ووصف اللهِ سبحانه هذا بأنه فَوْزٌ عَظِيمٌ لهم. من ذلك: عندما أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾[الفتح: 2]، مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ نزلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَرَأَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَدْ بَيَّنَ اللهُ لَكَ مَاذَا يُفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: ﴿ لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّـهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الفتح: 5]([23]). فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ [الفتح: 1]، قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ. قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ الله تعالى: ﴿لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾[الفتح: 5]([24]). فهذه البشارة دليل على محبته سبحانه للصحابة، وإن كانت الآيةُ عامةً تشملُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، لكنها تخصُّهم بالدرجة الأولى ـ كما يعبِّر المحققون: يدخلون في النص دخولًا أوليًا ـ وسبب نزولها كان جوابًا لسؤالهم. 2 ـ حب الله تعالى للمهاجرين رضي الله تعالى عنهم: مَدَحَ المولى سبحانه وتعالى، الصحابةَ الكرام رضي الله تعالى عنهم، فشهد بأنهم خير الأمم، كما شهد لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك، وأنهم الأكرم على الله تعالى. فعندما فسَّر قَوْلَه تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾[آل عمـران: 110]، قَـالَ: «إِنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ»([25]). هذا وإن كان الخطاب موجهًا للمهاجرين، كما قال ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «هُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إِلَى المدِينَةِ»([26])، فإنه يعم جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، الذين خرجوا للناس، ففتحوا البلاد والعباد، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، كما يعم الأمة أيضًا في أي وقت تقوم بهذه الوظيفة التشريفية، إلى يوم القيامة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. 3 ـ حب الله تعالى للأنصار رضي الله تعالى عنهم ([27]): والأنصـار رضي الله تعالى عنهـم نصـروا الدين بنصـرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإيواء المهاجرين، وكانوا معهم جنبًا إلى جنب؛ فسمَّاهم الله تعالى الأنصار، ومدحهم مع المهاجرين بقـولـه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾[الأنفال: 74]. عن غَيْلاَن بْن جَرِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أَمْ سَمَّاكُمُ اللهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمَّانَا اللهُ عزَّ وجلَّ. كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ، فَيُحَدِّثُنَا بمَنَاقِبِ الأَنْصَارِ وَمَشَاهِدِهمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ، فَيَقُولُ: فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا([28]). 4 ـ حب الله تعالى لأهل بدر رضي الله تعالى عنهم: وللصحابة الذين حضروا غزوة بدرٍ خصوصيَّة عند الله تعالى. عَنْ عَلِيٍّ رضي اللهُ عنه، أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ، أَوْ: فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»([29]). وكذلك الملائكة الذين شاركوا فيها القتال مع المسلمين. وعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ ـ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ـ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْـمُسْلِمِينَ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الملاَئِكَةِ»([30]). 5 ـ حب الله تعالى لأفراد من الصحابة: فبالإضافـة إلى ورود نصوص من الكتاب والسنـة ـ كما مـرَّ ـ بخصوص حبِّ اللهِ عزَّ وجلَّ للصحابة عمومًا، فإن نصوصًا أخرى أيضًا، وردت في السنة النبوية، تخصُّ أفرادًا منهم رضي الله تعالى عنهم جميعًا، فمن ذلك: أ ـ حب الله تعالى لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه: لا تخفى مكانة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه عند الله تعالى، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، وعند المسلمين. فهو أول من أسلم من الرجال، ورفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وصاحبه في الغار، ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾[التوبة: 40]، وصهره، وخليفته، وخيـر الناس بعده، ودفـن إلى جانبـه، وأول من يدخل الجنـة من هذه الأمة بعده. فقد مدحه الله سبحانه في كتابه العزيز، فوصفه بأنه من أولي الفضل والسعة، نزلت في أبي بكر عندما حلف ألا ينفـق على مسطح بن أثاثـة، بسبب خوضه في حادثة الإفك بحق السيدة عائشة. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «.. فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه ـ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَفَقْرِهِ ـ: وَاللهِ لاَ أُنْفِـقُ عَلَـى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْـدَ الَّذِي قَـالَ لِعَائِشَةَ مَا قَـالَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[النور: 22]. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا»)[31](. فوَصَفَ اللهُ تعالى أبا بكرالصدِّيق بأنه من أولي الفضل)[32](، وهذا من مظاهر حب الله تعالى لأبي بكر رضي الله تعالى عنه. ب ـ حب الله تعالى لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: ويدل عليه، أن الله تعالى أعزَّ الإسلام بإسلامه، وجعل الحق على لسانه؛ فكان من المُلْهَمِين للحق ـ المُحَدَّثِين في هذه الأمـة ـ إضافـة إلى منزلتـه التي تأتي بعد منزلة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللهمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ». قَالَ: وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ([33]). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ في أُمَّتي هَذِهِ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ»([34])، بل قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ نَبيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ»([35]) وقد نزلت عـدة آيات تـؤيِّد سيدنا عمر رضي الله عنـه في رأيـه فـي بعض القضايـا، كفرض الحجاب، وأسرى بدر، وغيرِها. ت ـ حب الله تعالى للسيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: دليل ذلك، أنه سبحانه أقرأها سلامًا على لسان جبريل عليه السلام، وبشَّرها بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ، مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنـه قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْـرَأْ عَلَيْهَـا السَّلاَمَ مِـنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ، مِـنْ قَصَبٍ([36])، لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ» ([37]). ث ـ حب الله تعالى لسيدنا عليّ رضي الله تعالى عنه: وقد شهد صلى الله عليه وسلم لسيدنا عليّ بحبه لله تعالى، وبحب الله تعالى له. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحِ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ». فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ، فَقَالَ: «أَيْنَ عليٌّ؟». فَقِيلَ: يَشْتَكِيعَيْنَيْهِ، فَبَصَقَ فِى عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ؛ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرايةَ، فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ([38])، حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا؛ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»([39]). ج ـ حب الله تعالى لسيدنا سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله تعالى عنه: ويدل عليه اهتزاز عرش الرحمن لموته رضي الله عنه، فعَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ»([40]). د ـ حب الله تعالى لسيدنا أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ رضي الله تعالى عنه: ويدل على ذلك حب الله تعالى لصفتين فيه من أخلاقه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَشَجِّ، أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ تعالى: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ»([41]). ﻫ ـ حب الله تعالى لسيدنا أُبيّ بن كعب رضي الله تعالى عنه: فقد أمر الله سبحانه، النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه القرآن. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأُبَيٍّ: «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ». قَالَ أُبَيٌّ: آللهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «اللهُ سَمَّاكَ لِي». فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي. قَالَ قَتَادَةُ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّـهُ قَـرَأَ عَلَيْـهِ: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾[البيِّنة: 1]([42]). و ـ حب الله تعالى لرجل من الصحابة لحبِّه سورة الإخلاص: كان هـذا الصحابي يحبُّ أنْ يختـمَ صلاتَـه بسورةِ الإخلاص، لأَنَّهَـا صِفَةُ الرَّحْمَنِ. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِى صَلاَتِهِ، فَيَخْتِمُ بِـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص: 1]. فَلَمَّا رَجَعُوا، ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟». فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ»([43]). ز ـ وأختم هذه الدلائل فأقول: وبالجملة، فإنَّ من علامات حب الله تعالى للصحابة رضي الله تعالى عنهم، أن جعلهم صحْبًا لسيِّد المرسلين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، وعاشوا في خير القرون، وشرَّفهم بحمل راية الحق والدين، وهم خير الناس بعد الأنبيا ءعليهم الصلاة والسلام، ولاتزال الأمة تترضَّى عليهم، وتعرف لهم حقهم وفضلهم، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. اللهم ارضَ عن الصحابـة وعلينا معهم، واجعلنــا عندك من المحبوبين، آمين. * * * [1])) انظر: شعب الإيمان للبيهقي: الرابع عشر من شعب الإيمان هو باب في حب النبي صلى الله عليه وسلم، (ج2/ ص132). [2])) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب مَعْرِفَةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلاَمِ وَالْقَدَرِ وَعَلاَمَةِ السَّاعَةِ، ص(24 ـ 25)، ح93. ([3]) صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، ص76، ح438. [4])) صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب تَفْضِيلِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم عَلَى جَمِيعِ الْخَلاَئِقِ، ص1008، ح5940. [5])) صحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب اسْتِحْبَابِ الْقَوْلِ مِثْلَ قَوْلِ الْـمُؤَذِّنِ لِمَنْ سَمِعَهُ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَسْأَلُ اللهَ لَهُ الْوَسِيلَةَ، ص163، ح849. ([6]) صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ، ص102، ح614. ([7]) فتح الباري، كتاب الرقائق، بَابٌ صِفَةُ الْجَنَّة وَالنَّار، (ج11/ ص426). ([8]) أي جماعة، وتُروَى هذه اللفظة جُثِيٌّ بتشديد الياء: جمع جَاثٍ، وهو الذي يَجْلس على رُكْبَتَيْه. [النهاية في غريب الحديث والأثر، (جثا )، (ج 1 / ص 680) ]. [9])) صحيح البخاري: كتاب التفسير، بـاب قَـوْلِـهِ: ﴿ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79]، ص(816 ـ 817)، ح4718. [10])) صحيح البخاري: كتاب الرقائق، باب صفة الجنة والنار، ص1136، ح6566. [11])) الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم: فصل في تفضيله بالمحبة والخُلَّة، ص263. [12])) روضة المحبين ونزهة المشتاقين، (ص: 47). [13])) شرح صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، (ج3/ ص56). [14])) صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، ص1050، ح6172. [15])) الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم: فصل في تفضيله بالمحبة والخلة، ص266. [16])) المرجع نفسه، ص267. ([17]) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الْجَنَّةِ وَأَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا»، ص106، ح485. ([18]) المرجع نفسه، ص105، ح484. [19])) المرجع نفسه، ص106، ح486. ([20]) صحيح مسلم: كتاب الجمعة، باب هِدَايَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، ص(343 ـ 344)، ح1980. ([21]) الشيخ عبد الله سراج الدين الحسيني، الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ص7. ([22]) وهناك آيات كثيرة تشهد لهذه المحبة، بل نزول القرآن الكريم على قلبه هومن قبيل المحبة، وجَعْلُه نبيًا كذلك، لكن القصد فيما ذكرته من المآثر، هو من قبيل محبة خاصة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم تميَّز بها عن غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولايمكن استقصاء الآيات في بحثنا هذا؛ لأنه في السنة وليس في القرآن الكريم، لكنني أذكر من الآيات بقدر ما تدعو إليه الضرورة. [23])) جامع الترمذي: أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب وَمِنْ سُورَةِ الفتح، ص742، ح3263عَنْ أَنَسٍ، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِيهِ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ.

No comments: